سحرية إذ رفع بها عن مقام القرن المنازع للأنصار ، وأخرجها عن الحزبين : الأنصار والمهاجرين ، ونصب نفسه بها كحكم بينهما يفضل هذا على ذاك ثم يختار لهم ما فيه الصلاح . وهذا له الأثر البليغ في إخماد نار عاطفة التعصب عليه ، ويعطيه أيضا منزلة في نفوسهم هي أعلى وأرفع تجعل له نفوذ الحكم المستشار والزعيم للفريقين وعلى العكس فيما لو نصب نفسه مزاحما لهم مطالبا بحق يعود له ولحزبه . وشأن الجماهير أنها لا تنتظر الدليل على الدعاوي البراقة المبهرجة . لأن التصوير ولو بالألفاظ له الحكم الفصل على نفسياتها . فارجع الآن إلى تلك العبارة ودققها ! وهي جعجعة تسحن الجماعات من غير طحن ، وإلا فمن المقصود بضمير ( عندنا ) يتكلم عنه أبو بكر غير جماعة المهاجرين وهو منهم ، وعلى تقديره فمن الذي خوله أن يمثل المهاجرين بشخصه ؟ . . . ولكنه جرد من نفسه " ومعه غيره " حكما مفضلا ، عنده المهاجرون أفضل من الأنصار وليس بمنزلة الأنصار أحد بعدهم . فلا نعجب بعد عرفاننا هذه الأساليب التي لها القوة السحرية على الجماعات أن يأخذ أبو بكر بناصية الحال ، ويستهوي المجتمعين لينظروا إليه بقلوبهم لا بعقولهم ، فيصرفهم كيف يريد . فانتظر نتيجة تأثيره عليهم .