وكَفَى بِاللَّهِ مُنْتَقِماً ونَصِيراً وكَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وخَصِيماً « خطبة » 87 / 86 عِبَادَ اللَّهِ ، إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ عَبْداً أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ ، وتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِي قَلْبِهِ ، وأَعَدَّ الْقِرَى لِيَوْمِهِ النَّازِلِ بِهِ ، فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ الْبَعِيدَ ، وهَوَّنَ الشَّدِيدَ . نَظَرَ فَأَبْصَرَ ، وذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ ، وارْتَوَى مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهِّلَتْ لَهُ مَوَارِدُهُ ، فَشَرِبَ نَهَلاً ، وسَلَكَ سَبِيلاً جَدَداً .قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ الشَّهَوَاتِ ، وتَخَلَّى مِنَ الْهُمُومِ ، إِلَّا هَمّاً وَاحِداً انْفَرَدَ بِهِ ، فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ الْعَمَى ، ومُشَارَكَةِ أَهْلِ الْهَوَى ، وصَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ الْهُدَى ، ومَغَالِيقِ أَبْوَابِ الرَّدَى . قَدْ أَبْصَرَ طَرِيقَهُ ، وسَلَكَ سَبِيلَهُ ، وعَرَفَ مَنَارَهُ ، وقَطَعَ غِمَارَهُ ، واسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا ، ومِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا ، فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ ، قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلَّهِ - سُبْحَانَهُ - فِي أَرْفَعِ الأُمُورِ ، مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِدٍ عَلَيْهِ ، وتَصْيِيرِ كُلِّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِهِ . مِصْبَاحُ ظُلُمَاتٍ ، كَشَّافُ عَشَوَاتٍ ، مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ ، دَفَّاعُ مُعْضِلَاتٍ ، دَلِيلُ فَلَوَاتٍ ، يَقُولُ فَيُفْهِمُ ، ويَسْكُتُ فَيَسْلَمُ . قَدْ أَخْلَصَ لِلَّهِ فَاسْتَخْلَصَهُ ، فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ دِينِهِ ، وأَوْتَادِ أَرْضِهِ . قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْعَدْلَ ، فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِهِ نَفْيُ الْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ يَصِفُ الْحَقَّ ويَعْمَلُ بِهِ ، لَا يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً