ومَثَلُ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا بِمَنْزِلٍ خَصِيبٍ ، فَنَبَا بِهِمْ إِلَى مَنْزِلٍ جَدِيبٍ ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهً إِلَيْهِمْ ولَا أَفْظَعَ عِنْدَهُمْ مِنْ مُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فِيهِ ، إِلَى مَا يَهْجُمُونَ عَلَيْهِ ، ويَصِيرُونَ إِلَيْهِ .« فَلَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ » ، ولَا إِلَى الدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ .واعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلآْخِرَةِ لَا لِلدُّنْيَا ، ولِلْفَنَاءِ لَا لِلْبَقَاءِ ، ولِلْمَوْتِ لَا لِلْحَيَاةِ وأَنَّكَ فِي قُلْعَةٍ ودَارِ بُلْغَةٍ ، وطَرِيقٍ إِلَى الآْخِرَةِ .وإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلَادِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا ، وتَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا ، فَقَدْ نَبَّأَكَ اللَّهُ عَنْهَا ، ونَعَتْ هِيَ لَكَ عَنْ نَفْسِهَا ، وتَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا ، فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلَابٌ عَاوِيَةٌ ، وسِبَاعٌ ضَارِيَةٌ ، يَهِرُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ، ويَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا ، ويَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا .نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ ، وأُخْرَى مُهْمَلَةٌ ، قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا ، ورَكِبَتْ مَجْهُولَهَا . سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ ، لَيْسَ لَهَا رَاعٍ يُقِيمُهَا ، ولَا مُسِيمٌ يُسِيمُهَا . سَلَكَتْ بِهِمُ الدُّنْيَا طَرِيقَ الْعَمَى ، وأَخَذَتْ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنَارِ الْهُدَى ، فَتَاهُوا فِي حَيْرَتِهَا ، وغَرِقُوا فِي نِعْمَتِهَا ، واتَّخَذُوهَا رَبّاً ، فَلَعِبَتْ بِهِمْ ولَعِبُوا بِهَا ، ونَسُوا مَا وَرَاءَهَا .