بِبَلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا .« الكتب والرسائل » 31 / 31 أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ فِيمَا تَبَيَّنْتُ مِنْ إِدْبَارِ الدُّنْيَا عَنِّي ، وجُمُوحِ الدَّهْرِ عَلَيَّ ، وإِقْبَالِ الآْخِرَةِ إِلَيَّ .وبَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا ، وحَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وفُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي والأَيَّامِ ، واعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ .أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وفِتَنِ الدُّنْيَا .وأَنَّ الدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَقِرَّ إِلَّا عَلَى مَا جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ النَّعْمَاءِ ، والِابْتِلَاءِ ، والْجَزَاءِ فِي الْمَعَادِ .يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ أَنْبَأْتُكَ عَنِ الدُّنْيَا وحَالِهَا ، وزَوَالِهَا وانْتِقَالِهَا ، وأَنْبَأْتُكَ عَنِ الآْخِرَةِ ومَا أُعِدَّ لأَهْلِهَا فِيهَا ، وضَرَبْتُ لَكَ فِيهِمَا الأَمْثَالَ ، لِتَعْتَبِرَ بِهَا ، وتَحْذُوَ عَلَيْهَا . إِنَّمَا مَثَلُ مَنْ خَبَرَ الدُّنْيَا كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ نَبَا بِهِمْ مَنْزِلٌ جَدِيبٌ ، فَأَمُّوا مَنْزِلاً خَصِيباً وجَنَاباً مَرِيعاً ، فَاحْتَمَلُوا وَعْثَاءَ الطَّرِيقِ ، وفِرَاقَ الصَّدِيقِ ، وخُشُونَةَ السَّفَرِ ، وجُشُوبَةَ المَطْعَمِ ، لِيَأْتُوا سَعَةَ دَارِهِمْ ، ومَنْزِلَ قَرَارِهِمْ ، فَلَيْسَ يَجِدُونَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَلَماً ، ولَا يَرَوْنَ نَفَقَةً فِيهِ مَغْرَماً . ولَا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِمَّا قَرَّبَهُمْ مِنْ مَنْزِلِهِمْ ، وأَدْنَاهُمْ مِنْ مَحَلَّتِهِمْ .