أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلَاقَتِهَا ، وهَمَدَتِ الْقُلُوبُ فِي صُدُورِهِمْ بَعْدَ يَقَظَتِهَا ، وعَاثَ فِي كُلِّ جَارِحَةٍ مِنْهُمْ جَدِيدُ بِلًى سَمَّجَهَا ، وسَهَّلَ طُرُقَ الآفَةِ إِلَيْهَا ، مُسْتَسْلِمَاتٍ فَلَا أَيْدٍ تَدْفَعُ ، ولَا قُلُوبٌ تَجْزَعُ ، لَرَأَيْتَ أَشْجَانَ قُلُوبٍ ، وأَقْذَاءَ عُيُونٍ ، لَهُمْ فِي كُلِّ فَظَاعَةٍ صِفَةُ حَالٍ لَا تَنْتَقِلُ ، وغَمْرَةٌ لَا تَنْجَلِي . فَكَمْ أَكَلَتِ الأَرْضُ مِنْ عَزِيزِ جَسَدٍ ، وأَنِيقِ لَوْنٍ ، كَانَ فِي الدُّنْيَا غَذِيَّ تَرَفٍ ، ورَبِيبَ شَرَفٍ يَتَعَلَّلُ بِالسُّرُورِ فِي سَاعَةِ حُزْنِهِ ، ويَفْزَعُ إِلَى السَّلْوَةِ إِنْ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ ، ضَنّاً بِغَضَارَةِ عَيْشِهِ ، وشَحَاحَةً بِلَهْوِهِ ولَعِبِهِ ، فَبَيْنَا هُوَ يَضْحَكُ إِلَى الدُّنْيَا وتَضْحَكُ إِلَيْهِ فِي ظِلِّ عَيْشٍ غَفُولٍ ، إِذْ وَطِئَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ ونَقَضَتِ الأَيَّامُ قُوَاهُ ، ونَظَرَتْ إِلَيْهِ الْحُتُوفُ مِنْ كَثَبٍ فَخَالَطَهُ بَثٌّ لَا يَعْرِفُهُ ، ونَجِيُّ هَمٍّ مَا كَانَ يَجِدُهُ ، وتَوَلَّدَتْ فِيهِ فَتَرَاتُ عِلَلٍ ، آنَسَ مَا كَانَ بِصِحَّتِهِ ، فَفَزِعَ إِلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ الأَطِبَّاءُ مِنْ تَسْكِينِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ ، وتَحْرِيكِ الْبَارِدِ بِالْحَارِّ ، فَلَمْ يُطْفِئْ بِبَارِدٍ إِلَّا ثَوَّرَ حَرَارَةً ، ولَا حَرَّكَ بِحَارٍّ إِلَّا هَيَّجَ بُرُودَةً ، ولَا اعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ لِتِلْكَ الطَّبَائِعِ إِلَّا أَمَدَّ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ دَاءٍ حَتَّى فَتَرَ مُعَلِّلُهُ ، وذَهَلَ مُمَرِّضُهُ ، وتَعَايَا أَهْلُهُ بِصِفَةِ دَائِهِ ، وخَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّاِئِلينَ عَنْهُ ، وتَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِيَّ خَبَرٍ يَكْتُمُونَهُ :