بَلِيَتْ بَيْنَهُمْ عُرَا التَّعَارُفِ ، وانْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الإِخَاءِ ، فَكُلُّهُمْ وَحِيدٌ وهُمْ جَمِيعٌ ، وبِجَانِبِ الْهَجْرِ وهُمْ أَخِلَّاءُ ، لَا يَتَعَارَفُونَ لِلَيْلٍ صَبَاحاً ، ولَا لِنَهَارٍ مَسَاءً .أَيُّ الْجَدِيدَيْنِ ظَعَنُوا فِيهِ كَانَ عَلَيْهِمْ سَرْمَداً ، شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِمَّا خَافُوا ، ورَأَوْا مِنْ آيَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا ، فَكِلْتَا الْغَايَتَيْنِ مُدَّتْ لَهُمْ إِلَى مَبَاءَةٍ ، فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ والرَّجَاءِ . فَلَوْ كَانُوا يَنْطِقُونَ بِهَا لَعَيُّوا بِصِفَةِ مَا شَاهَدُوا ومَا عَايَنُوا .ولَئِنْ عَمِيَتْ آثَارُهُمْ ، وانْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ ، لَقَدْ رَجَعَتْ فِيهِمْ أَبْصَارُ الْعِبَرِ ، وسَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ ، وتَكَلَّمُوا مِنْ غَيْرِ جِهَاتِ النُّطْقِ ، فَقَالُوا : كَلَحَتِ الْوُجُوهُ النَّوَاضِرُ ، وخَوَتِ الأَجْسَامُ النَّوَاعِمُ ، ولَبِسْنَا أَهْدَامَ الْبِلَى ، وتَكَاءَدَنَا ضِيقُ الْمَضْجَعِ ، وتَوَارَثْنَا الْوَحْشَةَ ، وتَهَكَّمَتْ عَلَيْنَا الرُّبُوعُ الصُّمُوتُ ، فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا ، وتَنَكَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا ، وطَالَتْ فِي مَسَاكِنِ الْوَحْشَةِ إِقَامَتُنَا ولَمْ نَجِدْ مِنْ كَرْبٍ فَرَجاً ، ولَا مِنْ ضِيقٍ مُتَّسَعاً فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِكَ ، أَوْ كُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ لَكَ ، وقَدِ ارْتَسَخَتْ أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ فَاسْتَكَّتْ ، واكْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَاب فَخَسَفَتْ ، وتَقَطَّعَتِ الأَلْسِنَةُ فِي