مِنْ حَالَاتِهِمْ ، مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلأُ الْقُلُوبَ والْعُيُونَ غِنًى ، وخَصَاصَةٍ تَمْلأُ الأَبْصَارَ والأَسْمَاعَ أَذًى .وتَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ ، كَيْفَ كَانُوا فِي حَالِ التَّمْحِيصِ والْبَلَاءِ . أَلَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ الْخَلَائِقِ أَعْبَاءً ، وأَجْهَدَ الْعِبَادِ بَلَاءً ، وأَضْيَقَ أَهْلِ الدُّنْيَا حَالاً . اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَةُ عَبِيداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ، وجَرَّعُوهُمُ الْمُرَارَ ، فَلَمْ تَبْرَحِ الْحَالُ بِهِمْ فِي ذُلِّ الْهَلَكَةِ وقَهْرِ الْغَلَبَةِ ، لَا يَجِدُونَ حِيلَةً فِي امْتِنَاعٍ ، ولَا سَبِيلاً إِلَى دِفَاعٍ . حَتَّى إِذَا رَأَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى الأَذَى فِي مَحَبَّتِهِ ، والِاحْتِمَالَ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ ، جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ الْبَلَاءِ فَرَجاً ، فَأَبْدَلَهُمُ الْعِزَّ مَكَانَ الذُّلِّ ، والأَمْنَ مَكَانَ الْخَوْفِ ، فَصَارُوا مُلُوكاً حُكَّاماً ، وأَئِمَّةً أَعْلَاماً ، وقَدْ بَلَغَتِ الْكَرَامَةُ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ مَا لَمْ تَذْهَبِ الآْمَالُ إِلَيْهِ بِهِمْ .« خطبة » 103 / 102 ومنها وذَلِكَ زَمَانٌ لَا يَنْجُو فِيهِ إِلَّا كُلُّ مُؤْمِنٍ نُوَمَةٍ ، « إِنْ شَهِدَ لَمْ يُعْرَفْ ، وإِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ ، أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى ، » وأَعْلَامُ السُّرَى ، لَيْسُوا بِالْمَسَايِيحِ ، ولَا الْمَذَايِيعِ الْبُذُرِ ، أُولَئِكَ يَفْتَحُ اللَّهُ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ ، ويَكْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتِهِ .