مُقِيمٌ ، وفِي سَعَةِ فَضْلِهِ مُتَقَلِّبٌ . فَلَمْ يَمْنَعْكَ فَضْلَهُ ، ولَمْ يَهْتِكْ عَنْكَ سِتْرَهُ ، بَلْ لَمْ تَخْلُ مِنْ لُطْفِهِ مَطْرَفَ عَيْنٍ فِي نِعْمَةٍ يُحْدِثُهَا لَكَ ، أَوْ سَيِّئَةٍ يَسْتُرُهَا عَلَيْكَ ، أَوْ بَلِيَّةٍ يَصْرِفُهَا عَنْكَ . فَمَا ظَنُّكَ بِهِ لَوْ أَطَعْتَهُ وايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ كَانَتْ فِي مُتَّفِقَيْنِ فِي الْقُوَّةِ ، مُتَوَازِيَيْنِ فِي الْقُدْرَةِ ، لَكُنْتَ أَوَّلَ حَاكِمٍ عَلَى نَفْسِكَ بِذَمِيمِ الأَخْلَاقِ ، ومَسَاوِئِ الأَعْمَالِ . وحَقّاً أَقُولُ مَا الدُّنْيَا غَرَّتْكَ ، ولَكِنْ بِهَا اغْتَرَرْتَ ، ولَقَدْ كَاشَفَتْكَ الْعِظَاتِ ، وآذَنَتْكَ عَلَى سَوَاءٍ .ولَهِيَ بِمَا تَعِدُكَ مِنْ نُزُولِ الْبَلَاءِ بِجِسْمِكَ ، والنَّقْصِ فِي قُوَّتِكَ ، أَصْدَقُ وأَوْفَى مِنْ أَنْ تَكْذِبَكَ ، أَوْ تَغُرَّكَ ولَرُبَّ نَاصِحٍ لَهَا عِنْدَكَ مُتَّهَمٌ ، وصَادِقٍ مِنْ خَبَرِهَا مُكَذَّبٌ . ولَئِنْ تَعَرَّفْتَهَا فِي الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ ، والرُّبُوعِ الْخَالِيَةِ ، لَتَجِدَنَّهَا مِنْ حُسْنِ تَذْكِيرِكَ ، وبَلَاغِ مَوْعِظَتِكَ ، بِمَحَلَّةِ الشَّفِيقِ عَلَيْكَ ، والشَّحِيحِ بِكَ ولَنِعْمَ دَارُ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا دَاراً ، ومَحَلُّ مَنْ لَمْ يُوَطِّنْهَا مَحَلاًّ وإِنَّ السُّعَدَاءَ بِالدُّنْيَا غَداً هُمُ الْهَارِبُونَ مِنْهَا الْيَوْمَ .إِذَا رَجَفَتِ الرَّاجِفَةُ ، وحَقَّتْ بِجَلَائِلِهَا الْقِيَامَةُ ، ولَحِقَ بِكُلِّ مَنْسَكٍ أَهْلُهُ ، وبِكُلِّ مَعْبُودٍ عَبَدَتُهُ ، وبِكُلِّ مُطَاعٍ أَهْلُ طَاعَتِهِ ، فَلَمْ يُجْزَ فِي عَدْلِهِ وقِسْطِهِ يَوْمَئِذٍ خَرْقُ بَصَرٍ فِي الْهَوَاءِ ، ولَا هَمْسُ قَدَمٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا بِحَقِّهِ ، فَكَمْ حُجَّةٍ يَوْمَ ذَاكَ دَاحِضَةٌ ، وعَلَائِقِ عُذْرٍ مُنْقَطِعَةٌ