وشَحَاحَةً بِلَهْوِهِ ولَعِبِهِ فَبَيْنَا هُوَ يَضْحَكُ إِلَى الدُّنْيَا وتَضْحَكُ إِلَيْهِ فِي ظِلِّ عَيْشٍ غَفُولٍ ، إِذْ وَطِئَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ ونَقَضَتِ الأَيَّامُ قُوَاهُ ، ونَظَرَتْ إِلَيْهِ الْحُتُوفُ مِنْ كَثَبٍ ، فَخَالَطَهُ بَثٌّ لَا يَعْرِفُهُ ، ونَجِيُّ هَمٍّ مَا كَانَ يَجِدُهُ ، وتَوَلَّدَتْ فِيهِ فَتَرَاتُ عِلَلٍ ، آنَسَ مَا كَانَ بِصِحَّتِهِ ، فَفَزِعَ إِلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ الأَطِبَّاءُ مِنْ تَسْكِينِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ ، وتَحْرِيكِ الْبَارِدِ بِالْحَارِّ ، فَلَمْ يُطْفِئْ بِبَارِدٍ إِلَّا ثَوَّرَ حَرَارَةً ، ولَا حَرَّكَ بِحَارٍّ إِلَّا هَيَّجَ بُرُودَةً ، ولَا اعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ لِتِلْكَ الطَّبَائِعِ إِلَّا أَمَدَّ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ دَاءٍ حَتَّى فَتَرَ مُعَلِّلُهُ ، وذَهَلَ مُمَرِّضُهُ ، وتَعَايَا أَهْلُهُ بِصِفَةِ دَائِهِ ، وخَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّاِئِلينَ عَنْهُ ، وتَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِيَّ خَبَرٍ يَكْتُمُونَهُ : فَقَائِلٌ يَقُولُ : هُوَ لِمَا بِهِ ومُمَنٍّ لَهُمْ إِيَابَ عَافِيَتِهِ ، ومُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلَى فَقْدِهِ ، يُذَكِّرُهُمْ أُسَى الْمَاضِينَ مِنْ قَبْلِهِ .فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ عَلَى جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا ، وتَرْكِ الأَحِبَّةِ ، إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ ، فَتَحَيَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ ، ويَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ . فَكَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَيَّ عَنْ رَدِّهِ ، ودُعَاءٍ مُؤْلِمٍ بِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عَنْهُ ، مِنْ كَبِيرٍ كَانَ يُعَظِّمُهُ ، أَوْ صَغِيرٍ كَانَ يَرْحَمُهُ وإِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ ، أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْيَا .