واضْمَحَلَّتِ الأَنْبَاءُ ، ولَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِينَ أُجُورُ الْمُبْتَلَيْنَ ، ولَا اسْتَحَقَّ الْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ ، ولَا لَزِمَتِ الأَسْمَاءُ مَعَانِيَهَا . ولَكِنَّ اللَّهً سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ ، وضَعَفَةً فِيمَا تَرَى الأَعْيُنُ مِنْ حَالَاتِهِمْ ، مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلأُ الْقُلُوبَ والْعُيُونَ غِنًى ، وخَصَاصَةٍ تَمْلأُ الأَبْصَارَ والأَسْمَاعَ أَذًى ولَوْ كَانَتِ الأَنْبِيَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لَا تُرَامُ ، وعِزَّةٍ لَا تُضَامُ ، ومُلْكٍ تُمَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ الرِّجَالِ ، وتُشَدُّ إِلَيْهِ عُقَدُ الرِّحَالِ لَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَى الْخَلْقِ فِي الِاعْتِبَارِ ، وأَبْعَدَ لَهُمْ فِي الِاسْتِكْبَارِ ، ولَآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ ، أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ ، فَكَانَتِ النِّيَّاتُ مُشْتَرَكَةً ، والْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً ، ولَكِنَّ اللَّهً سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الِاتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ ، والتَّصْدِيقُ بِكُتُبِهِ ، والْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ ، والِاسْتِكَانَةُ لأَمْرِهِ ، والِاسْتِسْلَامُ لِطَاعَتِهِ ، أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً ، لَا تَشُوبُهَا مِنْ غَيْرِهَا شَائِبَةٌ . وكُلَّمَا كَانَتِ الْبَلْوَى والِاخْتِبَارُ أَعْظَمَ كَانَتِ الْمَثُوبَةُ والْجَزَاءُ أَجْزَلَ .« ومن وصية له عليه السلام » 31 / 31 واعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لأَتَتْكَ رُسُلُهُ .« الحكمة وقصارى الكلام » 78 / 75 ومِنْ كَلَامٍ لَهُ عليه السلام : لِلسَّائِلِ الشَّامِيِّ لَمَّا سَأَلَهُ : أَكَانَ مَسِيرُنَا إِلَى الشَّامِ بِقَضَاءٍ مِنَ اللَّهِ وقَدَرٍ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ هَذَا مُخْتَارُهُ : وَيْحَكَ لَعَلَّكَ ظَنَنْتَ قَضَاءً لَازِماً ، وقَدَراً حَاتِماً لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ الثَّوَابُ والْعِقَابُ ، وسَقَطَ الْوَعْدُ والْوَعِيدُ .