الصِّيَامِ فِي الأَيَّامِ الْمَفْرُوضَاتِ ، تَسْكِيناً لأَطْرَافِهِمْ ، وتَخْشِيعاً لأَبْصَارِهِمْ ، وتَذْلِيلاً لِنُفُوسِهِمْ ، وتَخْفِيضاً لِقُلُوبِهِمْ ، وإِذْهَاباً لِلْخُيَلَاءِ عَنْهُمْ ، ولِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْفِيرِ عِتَاقِ الْوُجُوهِ بِالتُّرَابِ تَوَاضُعاً ، والْتِصَاقِ كَرَائِمِ الْجَوَارِحِ بِالأَرْضِ تَصَاغُراً ، ولُحُوقِ الْبُطُونِ بِالْمُتُونِ مِنَ الصِّيَامِ تَذَلُّلاً مَعَ مَا فِي الزَّكَاةِ مِنْ صَرْفِ ثَمَرَاتِ الأَرْضِ وغَيْرِ ذَلِكَ إِلَى أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ والْفَقْرِ .انْظُرُوا إِلَى مَا فِي هَذِهِ الأَفْعَالِ مِنْ قَمْعِ نَوَاجِمِ الْفَخْرِ ، وقَدْعِ طَوَالِعِ الْكِبْرِ ولَقَدْ نَظَرْتُ فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَتَعَصَّبُ لِشَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ إِلَّا عَنْ عِلَّةٍ تَحْتَمِلُ تَمْوِيهً الْجُهَلَاءِ ، أَوْ حُجَّةٍ تَلِيطُ بِعُقُولِ السُّفَهَاءِ غَيْرَكُمْ فَإِنَّكُمْ تَتَعَصَّبُونَ لأَمْرٍ مَا يُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ ولَا عِلَّةٌ . أَمَّا إِبْلِيسُ فَتَعَصَّبَ عَلَى آدَمَ لأَصْلِهِ ، وطَعَنَ عَلَيْهِ فِي خِلْقَتِهِ ، فَقَالَ : أَنَا نَارِيٌّ وأَنْتَ طِينِيٌّ .وأَمَّا الأَغْنِيَاءُ مِنْ مُتْرَفَةِ الأُمَمِ ، فَتَعَصَّبُوا لِآثَارِ مَوَاقِعِ النِّعَمِ ، فَقالُوا : « نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وأَوْلاداً وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ » .فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ ، ومَحَامِدِ الأَفْعَالِ ، ومَحَاسِنِ الأُمُورِ ، الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا الْمُجَدَاءُ والنُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوتَاتِ الْعَرَبِ ويَعَاسِيبِ القَبَائِلِ بِالأَخْلَاقِ الرَّغِيبَةِ ، والأَحْلَامِ الْعَظِيمَةِ ، والأَخْطَارِ الْجَلِيلَةِ ، والآثَارِ الْمَحْمُودَةِ .