وامْتِحَاناً شَدِيداً ، واخْتِبَاراً مُبِيناً ، وتَمْحِيصاً بَلِيغاً ، جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ ، ووُصْلَةً إِلَى جَنَّتِهِ . ولَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَضَعَ بَيْتَهُ الْحَرَامَ ، ومَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ ، بَيْنَ جَنَّاتٍ وأَنْهَارٍ ، وسَهْلٍ وقَرَارٍ جَمَّ الأَشْجَارِ دَانِيَ الثِّمَارِ ، مُلْتَفَّ الْبُنَى ، مُتَّصِلَ الْقُرَى ، بَيْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ ، ورَوْضَةٍ خَضْرَاءَ ، وأَرْيَافٍ مُحْدِقَةٍ ، وعِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ ، ورِيَاضٍ نَاضِرَةٍ ، وطُرُقٍ عَامِرَةٍ ، لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلَاءِ . ولَوْ كَانَ الأِسَاسُ الْمَحْمُولُ عَلَيْهَا ، والأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا ، بَيْنَ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ ، ويَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ ، ونُورٍ وضِيَاءٍ ، لَخَفَّفَ ذَلِكَ مُصَارَعَةَ الشَّكِّ فِي الصُّدُورِ ، ولَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلِيسَ عَنِ الْقُلُوبِ ، ولَنَفَى مُعْتَلَجَ الرَّيْبِ مِنَ النَّاسِ ، ولَكِنَّ اللَّهً يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ ، ويَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ ، ويَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِهِ ، إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ ، وإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ ، ولِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ ، وأَسْبَاباً ذُلُلاً لِعَفْوِهِ .فَاللَّهً اللَّهً فِي عَاجِلِ الْبَغْيِ ، وآجِلِ وَخَامَةِ الظُّلْمِ ، وسُوءِ عَاقِبَةِ الْكِبْرِ ، فَإِنَّهَا مَصْيَدَةُ إِبْلِيسَ الْعُظْمَى ، ومَكِيدَتُهُ الْكُبْرَى ، الَّتِي تُسَاوِرُ قُلُوبَ الرِّجَالِ مُسَاوَرَةَ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ ، فَمَا تُكْدِي أَبَداً ولَا تُشْوِي أَحَداً ، لَا عَالِماً لِعِلْمِهِ ، ولَا مُقِلاًّ فِي طِمْرِهِ .وعَنْ ذَلِكَ مَا حَرَسَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَوَاتِ والزَّكَوَاتِ ، ومُجَاهَدَةِ