بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ ، وخَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ ، وأَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ ، وهُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ ، وأَحْلَاسُ الْعُقُوقِ اتَّخَذَهُمْ إِبْلِيسُ مَطَايَا ضَلَالٍ ، وجُنْداً بِهِمْ يَصُولُ عَلَى النَّاسِ ، وتَرَاجِمَةً يَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ ، اسْتِرَاقاً لِعُقُولِكُمْ ودُخُولاً فِي عُيُونِكُمْ ، ونَفْثاً فِي أَسْمَاعِكُمْ . فَجَعَلَكُمْ مَرْمَى نَبْلِهِ ، ومَوْطِئَ قَدَمِهِ ، ومَأْخَذَ يَدِهِ .فاعتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ الأُمَمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وصَوْلَاتِهِ ، ووَقَائِعِهِ ومَثُلَاتِهِ ، واتَّعِظُوا بِمَثَاوِي خُدُودِهِمْ ، ومَصَارِعِ جُنُوبِهِمْ ، واسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ لَوَاقِحِ الْكِبْرِ ، كَمَا تَسْتَعِيذُونَهُ مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْرِ . فَلَوْ رَخَّصَ اللَّهُ فِي الْكِبْرِ لأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لِخَاصَّةِ أَنْبِيَائِهِ وأَوْلِيَائِهِ ولَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهً إِلَيْهِمُ التَّكَابُرَ ، ورَضِيَ لَهُمُ التَّوَاضُعَ ، فَأَلْصَقُوا بِالأَرْضِ خُدُودَهُمْ ، وعَفَّرُوا فِي التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ . وخَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وكَانُوا قَوْماً مُسْتَضْعَفِينَ . قَدِ اخْتَبَرَهُمُ اللَّهُ بِالْمَخْمَصَةِ ، وابْتَلَاهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ ، وامْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ ، ومَخَضَهُمْ بِالْمَكَارِهِ . فَلَا تَعْتَبِرُوا الرِّضَى والسُّخْطَ بِالْمَالِ والْوَلَدِ جَهْلاً بِمَوَاقِعِ الْفِتْنَةِ ، والِاخْتِبَارِ فِي مَوْضِعِ الْغِنَى والِاقْتِدَارِ ، فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى : « أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ » فَإِنَّ اللَّهً سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي