نام کتاب : الحديث النبوي بين الرواية والدراية نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 525
إنّ القضاء والقدر من المعارف الإلهية والتي لا يمكن لمسلم إنكارهما ، غير انّ تفسير القضاء والقدر بمثل ما جاء في الرواية أو أشير إليه في الآية السابقة يجعل الإنسان مكتوف اليدين لا حيلة له أمام الحوادث التي تعصف به ، وهو مما ترغب عنه الفطرة السليمة ، وينافي دعوة الأنبياء والمصلحين التي قامت أُسسها على حرية الإنسان في اختيار مصيره . أظن انّ هذه الأحاديث قد نسجت وفق العقائد التي روّجها الجهاز الحاكم آنذاك حتى يُبرِّر فكرة انّ الوضع الاجتماعي لا يمكن تغييره أبداً بأي أُسلوب من الأساليب ، فالقوي يبقى قوياً ، والضعيف يبقى ضعيفاً ، وهكذا الحال في الظالم والمظلوم لكونه مسبوقاً في علم اللّه . ثمّ إنّ شرّاح الحديث مالوا يميناً وشمالاً حتى يجدوا له معنى صحيحاً يفارق الجبر ، وأنّى لهم ذلك ، فإنّه يساوي الجبر ، وإلاّ لم يصح احتجاج آدم على موسى ، ولم يغلب عليه في مقام المحاجّة حيث أقنعه بقوله بأنّه ( ليس علي اللوم وإنّما سبق الكتاب على عملي ) ، وقد رواه البخاري أيضاً في كتاب القدر عن أبي هريرة ( 1 ) باختلاف طفيف . ونقل ابن حجر ، عن ابن عبد البر ، انّه قال : هذا الحديث أصل جسيم لأهل الحق في إثبات القدر وانّ اللّه طوى أعمال العباد ، فكلّ أحد يصير لما قُدِّر له بما سبق في علم اللّه ، قال : وليس فيه حجة للجبرية وإن كان في بادئ الرأي ساعدهم . وقال الخطابي في « معالم السنن » يحسب كثير من الناس انّ معنى القضاء والقدر يستلزم الجبر وقهر العبد ويتوهم انّ غلبة آدم ( على موسى ) كانت من هذا
1 - البخاري : 8 / 126 ، باب في القدر .
525
نام کتاب : الحديث النبوي بين الرواية والدراية نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 525