نام کتاب : الحديث النبوي بين الرواية والدراية نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 458
معتقداً بما يجري على لسانه من الشهادتين وليس الإيمان إلاّ الإذعان بهما وامّا كونه فاسقاً فلخروجه عن طاعة اللّه ، فبما انّ الإيمان ذو مراتب فقد تحقق فيه الإيمان بأدنى درجاته ، وحَرُم لأجله دمه وعرضه وماله ، وبما انّه خرج عن طاعة اللّه ، فقد افتقد الدرجة العليا التي أنيطت بها النجاة في الآخرة فهو مع كونه مؤمناً يُعذَّب حسب ما قدر له من العذاب . هذه هي أقوال المفكرين من متكلمي الإسلام ، إنّما المهم هو الوقوف على ما هو العامل المؤثر لظهور فكرة الارجاء في الساحة الإسلامية ؟ والسبب المؤثّر لرفض العمل وفق الإيمان والاقتصار على القول فقط أو مع ضميمة الاعتقاد ؟ يبدو أنّ أحد أسبابه هو تبرئة عثمان من الأحداث المنسوبة إليه من نفي صلحاء الصحابة من ديارهم وضربهم وشتمهم ، وتأسيس حكومة أموية ، وصرف بيت المال على أقاربه والمنتمين إليه ، إلى غير ذلك من الأُمور الموبقة ، فقالوا : إنّ المهم هو القول والإذعان ، ولا تضر الخطيئة معه . ومن الأسباب الباعثة إلى تفشي فكرة الارجاء هو تنزيه الناكثين وأُمّهات المؤمنين عن نقض البيعة والخروج على الإمام المفترض الطاعة . وكان للجهاز الحاكم دور في تنمية الفكرة وإرسائها ، وبذلك حال بين الأُمّة والخوض في البحوث الخطيرة ، والمعارك المدلهمّة مما نقم به على عثمان ، وأصحاب الفتن من الجمل وصفين ، وبذلك عُذِّر كلّ من خالف الشريعة . إنّ تجريد الإيمان عن العمل في عامّة مراتبه تقود المجتمع - لا سيما الشباب - إلى الخلاعة والانحلال الخلقي وترك القيم ، بذريعة انّ المهم هو الإقرار باللسان والإذعان بالقلب ، ولا يضرّ معه ، ترك الفرائض واقتراف المحرّمات ، ولو سادت تلك الفكرة لم يبق من الإسلام إلاّ اسمه ، ومن الدين إلاّ رسمه ، ويكون المتظاهر بذلك كافراً ملحداً واقعاً اتخذ تلك الفكرة ستاراً لما يكنّ في ضميره .
458
نام کتاب : الحديث النبوي بين الرواية والدراية نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 458