يستدل على سير السائر على الأرض بالمنازل التي يجتاز عليها أو لو كان تنقلها بحال واحد لاختلاط نظامها ، وبطلت المآرب فيها ، ولساغ القائل أن يقول إن كينونتها على حال واحدة توجب عليها الاهمال من الجهة التي وصفنا ، ففي اختلاف سيرها وتصرفها وفي ذلك من المآرب والمصلحة ، أبين دليل على العمد والتدبير فيها . ( فوائد بعض النجوم ) فكر في هذه النجوم التي تظهر في بعض السنة وتحتجب بعضها كمثل الثريا [1] والجوزاء [2] والشعريين [3] وسهيل [4] ، فإنها لو كانت بأسرها تظهر في وقت واحد لم يكن لواحد فيها على حياله دلالات يعرفها الناس ، ويهتدون بها لبعض أمورهم ، كمعرفتهم الآن بما يكون من طلوع الثور [5] والجوزاء إذا طلعت ، واحتجابها إذا احتجبت ، فصار ظهور كل واحد واحتجابه في وقت الوقت غير الوقت الآخر ، لينتفع الناس بما يدل عليه كل واحد على حدته ، وما جعلت الثريا وأشباهها تظهر حينا وتحتجب حينا إلا لضرب من المصلحة ، وكذلك جعلت بنات نعش [6] ظاهرة لا تغيب لضرب آخر من المصلحة ، فإنها بمنزلة الأعلام التي يهتدي بها الناس في البر والبحر للطرق المجهولة ، وكذلك
[1] الثريا : مجموع كواكب في عنق الثور . [2] الجوزاء : برج في السماء ، سميت بذلك لاعتراضها في جوز السماء أي وسطه . [3] الشعريان : تثنية الشعرى - بالكسر - وهو الكواكب الذي يطلع في الجوزاء وطلوعه في شدة الحر . [4] سهيل - بالتصغير - نجم بهي طلوعه على بلاد العرب في أواخر القيظ . [5] الثور : برج في السماء من البروج الاثني عشر . [6] بنات نعش الكبرى : سبعة كواكب تشاهدها جهة القطب الشمالي ، وبقربها سبعة أخرى تسمى بنات نعش الصغرى ، والنجمة التي رسمت كبيرة هي النجمة القطبية التي يستدل بها على نقطة القطب الشمالي .