( الآفات ونظر الجهال إليها والجواب على ذلك ) اتخذ أناس من الجهال هذه الآفات الحادثة في بعض الأزمان - كمثل الوباء واليرقان والبرد [1] والجراد - ذريعة إلى جحود الخالق والتدبير والخلق ، فيقال في جواب ذلك : أنه إن لم يكن خالق ومدبر فلم لا يكون ما هو أكثر من هذا وأفظع ؟ فمن ذلك أن تسقط السماء على الأرض ، وتهوي الأرض فتذهب سفلا ، وتتخلف الشمس عن الطلوع أصلا ، وتجف الأنهار والعيون حتى لا يوجد ماء للشفة ، وتركد الريح ، حتى تخم الأشياء وتفسد ، ويفيض ماء البحر على الأرض فيغرقها ، ثم هذه الآفات التي ذكرناها من الوباء والجراد وما أشبه ذلك ما بالها لا تدوم وتمتد ، حتى تجتاح كل ما في العالم ، بل تحدث في الأحايين ، ثم لا تلبث أن ترفع . أفلا ترى أن العالم يصان ويحفظ من تلك الأحداث الجليلة التي لو حدث شئ منها كان فيه بواره ويلذع [2] أحيانا بهذه الآفات اليسيرة ، لتأديب الناس وتقويمهم ، ثم لا تدوم هذه الآفات ، بل تكشف عنهم عند القنوط منهم ، فيكون وقوعها بهم موعظة وكشفها عنهم رحمة . وقد أنكرت المنانية من المكاره والمصائب التي تصيب الناس فكلاهما يقول : إن كان للعالم خالق رؤوف رحيم ، فلم تحدث فيه هذه الأمور المكروهة . . والقائل بهذا القول يذهب إلى أنه ينبغي أن يكون عيش الإنسان في هذه الدنيا صافيا من كل كدر ، ولو كان هكذا كان الإنسان يخرج من الأشر [3] والعتو [4] إلى ما لا يصلح في دين ولا دنيا ، كالذي ترى كثيرا من
[1] ذهب ذكر اليرقان والبرد سابقا . [2] يقال لذعته النار أي أحرقته ولذعه بلسانه أي أوجعه بكلام وفي بعض النسخ بإهمال الأول وإعجام الثاني من لدغ العقرب . [3] الأشر : البطر . [4] العتو - بالضم - الاستكبار وتجاوز الحد .