فيها إلا من خلقها للمنفعة ؟ ومن فطن الناس لها إلا من جعل هذا فيها ؟ . ومتى كان يوقف على هذا منها بالعرض والاتفاق كما قال القائلون ؟ وهب الإنسان فطن لهذه الأشياء بذهنه ولطيف رويته وتجاربه ، فالبهائم كيف فطنت لها حتى صار بعض السباع يتداوى من جراحه أن أصابته ببعض العقاقير فيبرأ ، وبعض الطير يحتقن من الحصر يصيبه بماء البحر فيسلم ، وأشباه هذا كثير ، ولعلك تشكك في هذا النبات النابت في الصحارى والبراري حيث لا أنس ولا أنيس ، فتظن أنه فضل لا حاجة إليه ، وليس كذلك ، بل هو طعم لهذه الوحوش ، وحبه علف للطير ، وعوده وأفنانه حطب ، فيستعمله الناس ، وفيه بعد أشياء تعالج بها الأبدان ، وأخرى تدبغ بها الجلود ، وأخرى تصبغ الأمتعة ، وأشباه هذا من المصالح . . ألست تعلم أن من أخس النبات وأحقره هذا البردي وما أشبهها ، ففيها مع هذا من ضروب المنافع ، فقد يتخذ من البردي القراطيس التي يحتاج إليها الملوك والسوقة ، والحصر التي يستعملها كل صنف من الناس ، ويعمل منه الغلف التي يوقى بها الأواني ، ويجعل حشوا بين الظروف وفي الاسفاط ، لكيلا تعيب وتنكسر ، وأشباه هذا من المنافع . فاعتبر بما ترى من ضروب المآرب في صغير الخلق وكبيره وبما له قيمة وما لا قيمة له ، وأخس من هذا وأحقره الزبل ، والعذرة التي اجتمعت فيها الخساسة والنجاسة معا ، وموقعها من الزروع والبقول والخضر أجمع الموقع الذي لا يعدله شئ ، حتى أن كل شئ من الخضر لا يصلح ولا يزكو إلا بالزبل والسماد الذي يستقذره الناس ، ويكرهون الدنو منه . واعلم أنه ليس منزلة الشئ على حسب قيمته ، بل هما قيمتان مختلفتان بسوقين ، وربما كان الخسيس في سوق المكتسب نفيسا في سوق العلم ، فلا تستصغر العبرة في الشئ لصغر قيمته ، فلو فطن طالبوا الكيمياء لما في العذرة ، لاشتروها بأنفس الأثمان وغالوا بها قال المفضل : وحان وقت الزوال ، فقام مولاي إلى الصلاة وقال