موضع من الجو ، فهذه الأصناف من الطير تلتمسها إذا خرجت فتتقوت بها . فانظر كيف وجه الرزق لهذه الطيور التي لا تخرج إلا بالليل من هذه الضروب المنتشرة في الجو ، واعرف ذلك المعنى في خلق هذه الضروب المنتشرة ، التي عسى أن يظن ظان أنها فضل لا معنى له . ( خلقة الخفاش ) خلق الخفاش خلقة عجيبة بين خلقة الطير وذوات الأربع ، هو إلى ذوات الأربع أقرب ، وذلك أنه ذو أذنين ناشزتين [1] وأسنان ووبر وهو يلد ولادا ويرضع ويبول ، ويمشي إذا مشى على أربع ، وكل هذا خلاف صفة للطير ، ثم هو أيضا مما يخرج بالليل ، ويتقوت بما يسري [2] في الجو من الفراش وما أشبهه ، وقد قال قائلون إنه لا طعم للخفاش وإن غذاءه [3] من النسيم وحده ، وذلك يفسد ويبطل من جهتين : أحدهما خروج الثفل [4] والبول منه ، فإن هذا لا يكون من غير طعم ، والأخرى إنه ذو أسنان ، ولو كان لا يطعم شيئا لم يكن للأسنان فيه معنى ، وليس في الخلقة شئ لا معنى له ، وأما المآرب فيه فمعروفة ، حتى أن زبله يدخل في بعض الأعمال ، ومن أعظم الأرب فيه خلقته العجيبة الدالة على قدرة الخالق جل ثناؤه ، وتصرفها فيما شاء كيف شاء لضرب من المصلحة .
[1] الناشز : ما كان ناتئا مرتفعا عن مكانه . . . وفي نسخة ناشر بالراء أي مبسوط . [2] يسري : يسير في الليل . [3] سقطت الهمزة في الطبعة الأولى . [4] الثفل - بالضم - الكدرة المستقرة في أسفل الشئ .