وغيره ، يخرج من أجواف الأنس صحيحا ، ويطحن في أجواف الطير لا يرى له أثر ، ثم جعل مما يبيض بيضا ، ولا يلد ولادة ، لكيلا يثقل عن الطيران ، فإنه لو كانت الفراخ في جوفه تمكث حتى تستحكم ، لأثقلته وعاقته عن النهوض والطيران ، فجعل كل شئ من خلقه مشاكلا للأمر الذي قدر أن يكون عليه ثم صار الطائر السائح في هذا الجو يقعد على بيضه فيحضنه أسبوعا وبعضها أسبوعين وبعضها ثلاثة أسابيع ، حتى يخرج الفرخ من البيضة ، ثم يقبل عليه فيزقه الريح لتتسح حوصلته للغذاء ، ثم يربيه ويغذيه بما يعيش به . فمن كلفه أن يلقط الطعم والحب يستخرجه ، بعد أن يستقر في حوصلته ، ويغذو به فراخه . . ؟ ولأي معنى يحتمل هذه المشقة . وليس بذي روية ولا تفكر ، ولا يأمل في فراخه ما يؤمل الإنسان في ولده من العز والرفد [1] وبقاء الذكر . . . ؟ فهذا من فعله يشهدانه معطوف على فراخه ، لعله لا يعرفها ولا يفكر فيها ، وهي دوام النسل وبقاؤه لطفا من الله تعالى ذكره . ( الدجاجة وتهيجها لحضن البيض والتفريخ ) أنظر إلى ( الدجاجة ) كيف تهيج لحضن البيض والتفريخ ، وليس لها بيض مجتمع ولا وكر موطى ، بل تنبعث وتنتفخ وتقوى [2] وتمتنع من الطعم ، حتى يجمع لها البيض ، فتحضنه وتفرخ . . فلم كان ذلك منها إلا لإقامة النسل ؟ ومن أخذها بإقامة النسل ولا روية لها ولا تفكير ، لولا أنها مجبولة على ذلك ؟
[1] الرفد - بالكسر - المعونة والعطاء والجمع إرفاد ورفود . [2] في الأصل كتبت الألف مشالة ، وتقوى من القوى أي الجوع فكأن الدجاجة تبيت جائعة . . وفي نسخة تقوقي أي تصيح .