الصناعات اللطيفة [1] ، إلا لتعظيم المؤنة فيما يحتاج إليه الناس للملبس والمضجع والتكفين وغير ذلك ، لو كان الإنسان لا يصيبه ألم ولا وجع ، بم كان يرتدع عن الفواحش ، ويتواضع لله ، ويتعطف على الناس . . . أما ترى الإنسان إذا عرض له وجع خضع واستكان ورغب إلى ربه في العافية ، وبسط يده بالصدقة ، ولو كان لا يألم من الضرب بم كان السلطان يعاقب الدعار [2] ويذل العصاة المردة ، وبم كان الصبيان يتعلمون العلوم والصناعات ، وبم كان العبيد يذلون لأربابهم ، ويذعنون لطاعتهم . أفليس هذا توبيخ ( ابن أبي العوجاء ) [3] وذويه الذين جحدوا التدبير . ( والمانوية ) الذين أنكروا الوجع والألم . ( انقراض الحيوان لو لم يلد ذكورا وإناثا ) ولو لم يولد من الحيوان إلا ذكر فقط أو أنثى فقط ألم يكن النسل منقطعا وباد مع أجناس الحيوان ، فصار بعض الأولاد يأتي ذكورا وبعضها يأتي إناثا ليدوم التناسل ولا ينقطع .
[1] أي يبتعد ويجتنب ولا يداوم على الصناعات اللطيفة أي التي فيها دقة ولطافة . والمراد أن الله تعالى جعل أجسام الإنسان بحيث تثقل عن الحركة والمشي قبل سائر الحيوانات ، وتكل عن الأعمال الدقيقة لتعظم عليه مؤونة تحصيل ما يحتاج إليه ، فلا يبطر ولا يطمع ، أو ليكون لهذه الأعمال أجر ، فيصير سببا لمعائش أقوام يزاولونها . [2] الدعار جمع داعر وهو الخبيث . وفي النسخة المطبوعة الذعار بالذال وهذا تصحيف . [3] تقدمت ترجمة ابن أبي العوجاء في مقدمة الكتاب .