لا يشترى لتسقط عن الإنسان المؤنة في طلبه وتكلفه ، وجعل الخبز متعذرا لا ينال إلا بالحيلة والحركة ، ليكون للإنسان في ذلك شغل يكفه عما يخرجه إليه الفراغ من الأشر والعبث . . . ألا ترى أن الصبي يدفع إلى المؤدب ، وهو طفل لم تكمل ذاته للتعليم ، كل ذلك ليشتغل عن اللعب والعبث الذين ربما جنيا عليه وعلى أهله المكروه العظيم . وهكذا الإنسان لو خلا من الشغل ، لخرج من الأشر والعبث والبطر ، إلى ما يعظم ضرره عليه وعلى من قرب منه . واعتبر ذلك بمن نشأ في الجدة [1] ورفاهية العيش والترفه والكفاية ، وما يخرجه ذلك إليه . ( اختلاف صور الناس وتشابه الوحوش والطير وغيرها ) ( من الحكمة في ذلك ) اعتبر لم لا يتشابه الناس واحد بالآخر ، كما تتشابه الوحوش والطير وغير ذلك ، فإنك ترى السرب من الظباء والقطا تتشابه لا يفرق بين واحد منها وبين الأخرى ، وترى الناس مختلفة صورهم وخلقهم ، حتى لا يكاد اثنان منهم يجتمعان في صفة واحدة . والعلة في ذلك أن الناس محتاجون إلى أن يتعارفوا بأعيانهم وحلاهم ، لما يجري بينهم من المعاملات وليس يجري بين البهائم مثل ذلك ، فيحتاج إلى معرفة كل واحد منها بعينه وحليته . ألا ترى أن التشابه في الطير والوحش لا يضرها شيئا ، وليس كذلك الإنسان ، فإنه ربما تشابه التوأم [2] تشابها شديدا فتعظم المؤنة على الناس في معاملتهما ، حتى يعطي أحدهما بالآخر ، ويؤخذ أحدهما بذنب
[1] الجدة - بالتخفيف - الغني . [2] التوأم : المولود مع غيره في بطن واحد جمعه توائم . وفي جميع النسخ توؤمان وورودها هنا خطأ ظاهر ، إذ لا يجوز فيها لأكثر من فردين ، ومجيؤها بهذا النص دلالة على التثنية فيكون معناها أربعة أفراد .