اللبن مع ولادته ألم يكن سيموت جوعا أو يغتذي بغذاء لا يلائمه ، ولا يصلح عليه بدنه ، ولو لم تطلع له الأسنان في وقتها ألم يكن سيمتنع عليه مضغ الطعام وإساغته . أو يقيمه على الرضاع فلا يشتد بدنه ولا يصلح لعمل ؟ ثم كان يشغل أمه بنفسه عن تربية غيره من الأولاد ، ( حال من لا ينبت في وجهه الشعر وعلة ذلك ) ولو لم يخرج الشعر في وجهه في وقته ألم يكن سيبقى هيئة الصبيان والنساء ، فلا ترى له جلالة ولا وقارا ؟ قال المفضل فقلت له : يا مولاي فقد رأيت من يبقى حالته ولا ينبت الشعر في وجهه وإن بلغ الكبر ، فقال ( ع ) : ( ذلك بما قدمت أيديكم وإن الله ليس بظلام للعبيد ) [1] فمن هذا الذي يرصده [2] حتى يوافيه بكل شئ من هذه المآرب إلا الذي أنشأه خلقا ، بعد إن لم يكن ، ثم توكل له بمصلحته بعد إن كان ، فإن كان الإهمال يأتي بمثل هذا التدبير ، فقد يجب أن يكون العمد والتقدير يأتيان بالخطأ والمحال ، لأنهما ضد الإهمال وهذا فظيع من القول وجهل من قائله . لأن الإهمال لا يأتي بالصواب والتضاد لا يأتي بالنظام [3] تعالى الله عما يقول الملحدون علوا كبيرا .
[1] سورة آل عمران آية 182 . [2] يرصده : أي يرقبه . [3] أي إذا لم تكن الأشياء منوطة بأسبابها ، ولم ترتبط الأمور بعللها ، فكما جاز أن يحصل هذا الترتيب والنظام التام بلا سبب ، فجاز أن يصير التدبير في الأمور سببا لاختلافها ، وهذا خلاف ما يحكم به العقلاء لما يرون من سعيهم في تدبير الأمور وذمهم ، من يأتي بها على غير تأمل وروية . . . ويحتمل أن يكون المراد أن الوجدان يحكم بتضاد آثار الأمور - المتضادة ، وربما أمكن إقامة البرهان عليه أيضا ، فإذا أتي الاهمال بالصواب يجب أن يأتي ضده وهو التدبير بالخطأ ، وهذا أفضع وأشنع . ( من تعليقات البحار )