الحياة من طال عمره ، حتى يتمنى الموت والراحة من الدنيا . . . فإن قالوا : إنه كان ينبغي أنه يرفع عنهم المكاره والأوصاب حتى لا يتمنوا الموت ولا يشتاقوا إليه . فقد وصفنا ما كان يخرجهم إليه من العتو والأشر الحامل لهم على ما فيه فساد الدنيا والدين . وإن قالوا : إنه كان ينبغي أن لا يتوالدوا كيلا تضيق عنهم المساكن والمعائش . قيل لهم : إذا كان يحرم أكثر هذا الخلق دخول العالم والاستمتاع بنعم الله تعالى ومواهبه في الدارين جميعا إذا لم يدخل العالم إلا قرن [1] واحد ، لا يتوالدون ولا يتناسلون . . . فإن قالوا : إنه كان ينبغي أن يخلق في ذلك القرن الواحد من الناس مثل ما خلق ويخلق إلى انقضاء العالم يقال لهم : رجع الأمر إلى ما ذكرنا من ضيق المساكن والمعائش عنهم ، ثم لو كانوا لا يتوالدون ولا يتناسلون لذهب موضع الأنس بالقرابات وذوي الأرحام والانتصار بهم عند الشدائد ، وموضع تربية الأولاد والسرور بهم ، ففي هذا دليل على أن كلما تذهب إليه الأوهام - سوى ما جرى به التدبير - خطأ وسفه من الرأي والقول . ( الطعن على التدبير من جهة أخرى والجواب عليه ) ولعل طاعنا يطعن على التدبير من جهة أخرى فيقول كيف يكون هاهنا تدبير ، ونحن نرى الناس في هذه الدنيا من عزيز ، فالقوي يظلم ويغصب ، والضعيف يظلم ويسالم الخسف ، والصالح فقير مبتلى ، والفاسق معافى موسع عليه ، ومن ركب فاحشة أو انتهك محرما لم يعاجل بالعقوبة . فلو كان في العالم تدبير لجرت الأمور على القياس القائم ، فكان الصالح هو المرزوق ، والطالح هو المحروم ، وكان القوي يمنع من ظلم الضعيف . والمنتهك للمحارم يعاجل بالعقوبة . . فيقال جواب ذلك : إن هذا لو كان هكذا لذهب موضع الاحسان الذي فضل به