تكاليفها ، والنجاة من مكارهها ، وأما الفجار فلما لهم في ذلك من تمحيص أوزارهم ، وحبسهم عن الازدياد منها ، وجملة القول إن الخالق تعالى ذكره بحكمته وقدرته قد يصرف هذه الأمور كلها إلى الخير والمنفعة ، فكما أنه إذا قطعت الريح شجرة أو قطعت نخلة ، أخذها الصانع الرفيق ، واستعملها في ضروب من المنافع فكذلك يفعل المدبر الحكيم في الآفات التي تنزل بالناس في أبدانهم وأموالهم ، فيصيرها جميعا إلى الخير والمنفعة . . فإن قال ولم تحدث على الناس ؟ قيل له : لكيلا يركنوا إلى المعاصي من طول السلامة ، فيبالغ الفاجر في ركوب المعاصي ، ويفتر الصالح عن الاجتهاد في البر فإن هذين الأمرين جميعا يغلبان على الناس في حال الخفض والدعة والحوادث التي تحدث عليهم تردعهم وتنبههم على ما فيه رشدهم ، فلو خلوا منها لغلوا في الطغيان والمعصية ، كما غلا الناس في أول الزمان . حتى وجب عليهم البوار بالطوفان وتطهير الأرض منهم . ( الموت والفناء وانتقاد الجهال وجواب ذلك ) ومما ينتقده الجاحدون للعمد والتقدير الموت والفناء . فإنهم يذهبون إلى أنه ينبغي أن يكون الناس مخلدين في هذه الدنيا . مبرئين من هذه الآفات ، فينبغي أن يساق هذا الأمر إلى غايته ، فينظر ما محصوله . أفرأيت لو كل من دخل العالم ويدخله يبقون ، ولا يموت أحد منهم ، ألم تكن الأرض تضيق بهم ، حتى تعوزهم المساكن والمزارع والمعائش ، فإنهم - والموت يفنيهم أولا فأولا - يتنافسون في المساكن والمزارع ، حتى تنشب بينهم في ذلك الحروب ، وتسفك فيهم الدماء ، فكيف كانت تكون حالهم لو كانوا يولدون ولا يموتون ، وكان يغلب عليهم الحرص والشره وقساوة القلوب ، فلو وثقوا بأنهم لا يموتون لما قنع الواحد منهم بشئ يناله ، ولا أفرج لأحد عن شئ يسأله ، ولا سلا عن شئ مما يحدث عليه ، ثم كانوا يملون الحياة وكل شئ من أمور الدنيا كما قد يمل