والقدح فيه بما ذكره فإنّما الأصل فيه محمّد بن الحسن بن الوليد القميّ ، وتبعه على ذلك ابن بابويه على ما هو دأبه في الجرح والتعديل والتضعيف والتصحيح ، ولا موافق لهما فيما أعلم . وتضعيف القمّيين وقدحهم في الأُصول والرجال معروف ؛ فإنّ طريقتهم في الانتقاد تخالف ما عليه جماهير النقّاد ، وتسرّعهم إلى الطعن بلا سبب ظاهر ممّا يريب اللبيب الماهر . ولم يلتفت أحد أئمّة الحديث والرجال إلى ما قاله الشيخان المذكوران في هذا المجال ، بل المستفاد من تصريحاتهم وتلويحاتهم تخطئتهما في ذلك المقال ، قال الشيخ ابن الغضائري - ونقل ما مر عنه - ثمّ قال : وناهيك بهذه المجاهرة في الردّ من هذا الشيخ الذي بلغ الغاية في تضعيف الروايات والطعن في الرواة ، حتّى قيل : إنّ السالم من رجال الحديث مَن سلم منه ، وأنّ الاعتماد على كتابه في الجرح طرح لما سواه من الكتب . ولولا أنّ هذا الأصل من الأُصول المعتمدة بالقبول بين الطائفة لما سلم من طعنه وغمزه ، على ما جرت به عادته في كتابه الموضوع لهذا الغرض ، فإنه قد ضعّف فيه كثيراً من أجلاّء الأصحاب المعروفين بالتوثيق ؛ نحو إبراهيم بن سليمان بن حبان ، وإبراهيم بن عمر اليمانيّ ، وإدريس بن زياد ، وإسماعيل بن مهران ، وحذيفة بن منصور ، وأبي بصير ليث المراديّ ، وغيرهم من أعاظم الرواة وأصحاب الحديث . واعتمد في الطعن عليهم غالباً بأُمور لا توجب قدحاً فيهم بل في رواياتهم ؛ كاعتماد المراسيل ، والرواية عن المجاهيل ، والخلط بين الصحيح والسقيم ، وعدم المبالاة في أخذ الروايات ، وكون رواياتهم مما تعرف تارة وتنكر أُخرى ، وما يقرب من ذلك ، هذا كلامه عن هؤلاء المشاهير الأجلّة . وأمّا إذا وجد في أحد ضعفاً بيّناً وطعناً ظاهراً - وخصوصاً إذا تعلّق بصدق الحديث - ، فإنّه يقيم عليه النوائح ويبلغ منه كلّ مبلغ ويمزّقه كلّ ممزّق . فسكوت هذا الشيخ عن أصل زيد النرسيّ ومدافعته عن أصله بما سمعت من قوله ، أعدل شاهد على أنّه لم يجد فيه مغمزاً ، ولا للقول في أصله سبيلاً .