ونستلهم من هذه الآية أن النبي وعترته ( عليهم السلام ) مطهرون ومنزهون عن كل الرذائل والصفات الذميمة . لأنها من الصفات التي تكون رجسا ، ومبغوضة عند الله ، واتصاف أولئك الذين هم مطهرون بإذن الله وإرادته بمثل هذه الصفات محال . ويستفاد أيضا من الآية أن العترة النبوية منزهون عن ارتكاب الحرام حتى ولو كان سهوا وخطأ ، لأن المحرمات - كما تراه الشيعة والمعتزلة - تتبعها المفاسد التي هي السبب في النهي عنها . وأن السهو وإن كان رافعا لشرط القدرة والإرادة عن التكليف إلا إنه غير رافع للقبح والأثر الوضعي التابع للمحرم والرجس والقذارة الذاتية . 5 - قال تعالى : ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) [1] . ترى في الآية مدحا وثناء لرسول الله وتقريعا وذما لذاك الطاغي المغرور [2] الذي ظل مراقبا لكي يمنع الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عن العبادة والصلاة . نشير في هذه الآية إلى نقطتين : 1 - أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان قبل البعثة والرسالة موحدا وكان يعبد الله عز وجل وذلك ما دلت عليه هذه الآيات من سورة العلق وهي أول سورة نزلت على الرسول ( صلى الله عليه وآله ) [3] كما
[1] العلق : 10 . [2] وردت في الروايات الصحيحة التي رويت عن النبي وأهل بيته ( عليهم السلام ) وأخرجها الحفاظ والمفسرون والمؤرخون في مؤلفاتهم أن هذا الطاغي المغرور الذي قرعه الله تعالى وذمه في كتابه الكريم هو أبو جهل ، حيث كان يراقب النبي ( صلى الله عليه وآله ) عند دخوله وخروجه المسجد حتى إذا قام النبي للصلاة قال أبو جهل لجلسائه من قريش : هل يعفر محمد ( صلى الله عليه وآله ) وجهه بين أظهركم ؟ قالوا : نعم . قال : فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته . فقيل له : ها هو ذلك يصلي فانطلق ليطا على رقبته . فما فجاهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه . فقالوا : مالك يا أبا الحكم ؟ قال : إن بيني وبينه خندقا من نار وهؤلاء وأجنحة . وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : والذي نفسي بيده لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ، فأنزل الله سبحانه ( أرأيت الذي ينهى ) . . . المعرب . [3] راجع الأحاديث المستخرجة والتي أجمع عليها المفسرون من الفريقين استندوا عليها في إثبات نظريتهم مثل تفسير نور الثقلين ، البرهان في تفسير القرآن التبيان ، مجمع البيان ، الدر المنثور ، والميزان ، الخازن ومحاسن التأويل ، وغيره . وقد فصل العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان البحث وأيد هذه النظرية .