ولا يخفى ما نتج عن هذا العمل - الصادر من أبي بكر الذي منع نقل الحديث تارة ، وأقدم على إحراقه وإبادته تارة أخرى - على المسلمين والحفاظ والرواة من الآثار السيئة والنتائج السلبية ، ففي السنوات الثلاث من خلافة أبي بكر انكب المسلمون على تلاوة القرآن واكتفوا بها دون مراجعة التفسير والبيان ، وتركوا نقل الحديث وكتابته ، وبهذا تحقق ما أراده أبو بكر من حصر اهتمام المسلمين على الآيات القرآنية فقط . المنع في عهد عمر : ففي السنوات العشر من عهد الخليفة عمر بن الخطاب - الذي عرف بالخشونة والتصلب - اشتد الوطيس على الحديث ، فلم يكتف عمر بمنع نقل الحديث وتدوينه فحسب ، بل إنه استعمل في تحقيق هدفه أسلوب القهر والقوة [1] . قال الصحابي المعروف قرظة بن كعب [2] : لما سيرنا عمر بن الخطاب إلى العراق مشى معنا عمر إلى حرارة ، ثم قال : أتدرون لم شيعتكم ؟ قلنا : تكرمة لنا . قال : ومع ذلك - لحاجة - إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فتشغلوهم ، جردوا القرآن ، وأقلوا الرواية عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأنا - شريككم ، فلما قدم قرظة بن كعب الكوفة قالوا : حدثنا ، فقال : نهانا عمر [3] . وأخرج الذهبي في تذكرة الحفاظ عن أبي سلمة أنه قال لأبي هريرة : أكنت تحدث في عهد الخليفة عمر هكذا ؟ قال : لو كنت أحدث في عهد عمر مثل ما أحدثكم لضربني
[1] دامت خلافته عشر سنوات وستة أشهر وأربعة أيام . [2] هو من صحابة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) المعروفين واشترك في غزوات عديدة منها أحد ، وقال ابن حجر في الإصابة 5 : 329 ترجمة قرظة بن كعب رقم 7113 : إن أول من نيح عليه بالكوفة قرظة بن كعب . [3] مستدرك الصحيحين 1 : 102 ، سنن ابن ماجة 1 : 12 باب ( 3 ) باب التوقي في الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ح 28 الطبقات الكبرى 6 : 7 طبقات الكوفيين ، جامع بيان العلم 2 : 167 ، سنن الدارمي 1 : ص 85 باب من هاب الفتيا مخافة السقط ، تذكرة الحفاظ للذهبي 1 : 7 .