4 - علاوة على ما حكته لنا هذه الأحاديث من التجسيم والتشبيه فإنها تذكر مسائل حول السماوات والعرش والكرسي ، واستقرار العرش فوق الأوعال التي تفصل بين أظلاف كل منها وركبتها مسافة خمسمائة عام . . . وكل هذه الأشياء تستقر كل ذلك على الماء . وهذه الأمور ليست خفية على المطالع اللبيب المحقق . وعليه أن يحكم على مثل هذه الأحاديث . رأي أهل السنة في مكان الله إن نظرة سريعة وخاطفة لكتب الكلام وغيرها تعطي الإنسان بصيرة أكثر على ما يعتقده علماء أهل السنة وأئمة مذاهبهم الأربعة - الحنبلية ، الحنفية ، المالكية والشافعية - في مسألة مكان الله تعالى هو ما أخذوه من الأحاديث المروية عندهم في الصحاح ، بأنهم يعتقدون أن الله استوى على العرش ، وهذا الرأي هو ما يعتنقه علماؤهم المعاصرون أيضا تبعا لأسلافهم . فهذا الإمام أحمد بن حنبل أحد المعتقدين بهذا الرأي يقول بأن الله قد استوى فوق العرش ، وتراه عندما يواجه الآية الكريمة ( وهو معكم أينما كنتم ) [1] - التي تثبت عدم اختصاص المكانية لله عز وجل وإنها من الدلائل السماعية التي تدل بوضوح على إحاطته الكاملة بجميع الأمكنة وعدم خلو مكان منه تعالى - فقام بتأويلها بعلم الله وقال : أن المراد هو إن الله يعلم جميع الأعمال ولا يخفى عليه شئ وليس المراد المعية [2] . وهذا أيضا الإمام أبو حنيفة هو الآخر يرى بأن الله مستقر على العرش . ويروي الذهبي في كتابه ( العلو للعلي الغفار ) [3] عن نوح الجامع أنه قال : كنت عند أبي حنيفة أول
[1] الحديد : 4 . [2] تفسير المنار 9 : 131 . [3] شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي - 748 ه - أحد علماء أهل السنة المعروفين ، وله كتب عديدة في شتى العلوم منها هذا الكتاب الذي ألفه لإثبات هذه العقيدة بأن الله قد استوى على العرش ، طبع هذا الكتاب سنة 1388 ه بالقاهرة ونشرته المكتبة السلفية بالمدينة المنورة .