إلا أن عبارات الكتاب لبعد عهدها منا ، وانقطاع أهل جيلنا عن أصل لساننا قد نجد فيها غرائب ألفاظ في غير وحشية ، وجزالة تركيب في غير تعقيد ، فربما وقف فهم المطالع دون الوصول إلى مفهومات بعض المفردات أو مضمونات بعض الجمل . وليس ذلك ضعفا في اللفظ أو وهنا في المعنى وإنما هو قصور في ذهن المتناول . ومن ثم همت بي الرغبة أن أصحب المطالعة بالمراجعة والمشارفة بالمكاشفة ، وأعلق على بعض مفرداته شرحا وبعض جمله تفسيرا وشئ من اشاته تعيينا ، واقفا عند حد الحاجة مما قصدت . موجزا في البيان ما استطعت . معتمدا في ذلك على المشهور من كتب اللغة والمعروف من صحيح الأخبار . ولم أتعرض لتعديل ما روي عن الإمام في مسألة الإمامة أو تجريحه ، بل تركت للمطالع الحكم فيه بعد الالتفات إلى أصول المذاهب المعلومة فيها ، والأخبار المأثورة الشاهدة عليها ، غير أني لم أتحاش تفسير العبارة ، وتوضيح الإشارة لا أريد في وجهي هذا إلا حفظ ما أذكر ، وذكر ما أحفظ . تصونا من النسيان وتحرزا من الحيدان [1] . ولم أطلب من وجه الكتاب إلا ما تعلق منه بسبك المعاني العالية في العبارات الرفيعة في كل ضرب من ضروب الكلام . وحسبي هذه الغاية فيما أريد لنفسي ولمن يطلع عليه من أهل اللسان العربي . وقد عني جماعة من أجلة العلماء بشرح الكتاب وأطال كل منهم في بيان ما انطوى عليه من الأسرار ، وكل يقصد تأييد مذهب وتعضيد مشرب . غير أنه لم يتيسر لي ولا واحد من شروحهم إلا شذرات وجدتها منقولة عنهم في بطون الكتب ، فإن وافقت أحدهم فيما رأى فذلك حكم الاتفاق ، وإن كنت خالفتهم فإلى صواب فيما أظن على أني لا أعد تعليقي هذا شرحا في عداد الشروح ، ولا أذكره كتابا بين الكتب ، وإنما هو طراز لنهج البلاغة وعلم توشى به أطرافه [2] . وأرجو أن يكون فيما وضعت من وجيز البيان فائدة للشبان من أهل هذا الزمان فقد رأيتهم قياما على طريق الطلب ، يتدافعون لنيل الأرب من لسان العرب . يبتغون لأنفسهم سلائق عربية وملكات لغوية ، وكل يطلب لسانا خاطبا ، وقلما كاتبا ، لكنهم يتوخون وسائل ما يطلبون في مطالعة المقامات وكتب المراسلات مما
[1] الحيدان ، كفيضان : الميل والجور . [2] العلم ما ينصب في الطريق ليهتدي به .