مقدمة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبدة بسم الله الرحمن الرحيم حمد لله سياج [1] النعم . والصلاة على النبي وفاء الذمم . واستمطار الرحمة على آله الأولياء ، وأصحابه الأصفياء ، عرفان الجميل وتذكار الدليل [2] : وبعد فقد أوفى لي حكم القدر بالاطلاع على كتاب ( نهج البلاغة ) مصادفة بلا تعمل . أصبته على تغير حال وتبلبل بال ، وتزاحم أشغال ، وعطلة من أعمال . فحسبته تسلية ، وحيلة للتخلية فتصفحت بعض صفحاته ، وتأملت جملا من عباراته . من مواضع مختلفات ، وموضوعات متفرقات . فكان يخيل إلي في كل مقام أن حروبا شنت وغارات شنت وأن للبلاغة دولة ، وللفصاحة صولة . وأن للأوهام عرامة [3] وللريب دعارة . وأن جحافل الخطابة ، وكتائب الذرابة ، في عقود النظام وصفوف الانتظام ، تنافح بالصفيح الأبلج [4] والقويم الأملج . وتمتلج المهج برواضع الحجج . فتفل من دعارة الوساوس [5] وتصيب مقاتل الخوانس . والباطل منكسر ومرج الشك في خمود [6] وهرج الريب في ركود . وأن مدبر تلك الدولة ، وباسل تلك الصولة ، هو حامل لوائها الغالب ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .
[1] السياج : ما أحيط به على شئ [2] معرفة طريق الحق والهداية إليه . [3] العرمة الشراسة . والدعارة سوء الخلق . والجحافل الجيوش . والكتائب الفرق منها والذرابة حدة اللسان في فصاحة . والكلام تخيل حرب بين البلاغة وهائجات الشكوك والأوهام . [4] تنافح تضارب أشد المضاربة . والصفيح السيف والأبلج اللامع البياض . والقويم الرمح والأملج الأسمر . وهي مجازات عن الدلائل الواضحة والحجج القويمة المبددة للوهم وإن خفي مدركها وتمتلج أي تمتص . والمهج دماء القلوب لا تبقي للأوهام شيئا من مادة البقاء . [5] فل الشئ ثلمه والقوم هزمهم . والخوانس خواطر السوء تسلك من النفس مسالك الخفاء . [6] المرج الاضطراب . والهرج هيجان الفتنة