هذا مع العلم بان مالكا كان يرى مساواة الإمام علي لسائر الناس ، وان أفضل الأمة الخلفاء الثلاثة . روى مصعب ، وهو تلميذ مالك ، انه سأل مالكا : من أفضل الناس بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقال مالك : أبو بكر ، قال : ثم من ؟ قال : عمر ، قال : ثم من ؟ قال : عثمان ، قال : ثم من ؟ قال : هنا وقف الناس . واهتم الخلفاء وأعوانهم في اطرائه بألقاب كثيرة ، حتى قالوا : ان رسول الله سماه بهذا الاسم ، وأن لا مثيل له بعد كتاب الله . واختلفوا في منزلته من بين كتب السنة ، فمنهم من جعله مقدما على الصحيحين كابن العربي وابن عبد البر والسيوطي وغيرهم [1] . وقال ابن معين في الجرح والتعديل : ان مالكا لم يكن صاحب حديث [2] بل كان صاحب رأي [3] .
[1] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 2 ص 556 . [2] أصحاب الحديث : يعتمدون على الحديث مهما أمكن ، ويعيبون على أهل الرأي بان الذين لا يقاس بالرأي ، واعتبروا الرأي بدعة لا أثر له . لذا يقول الشافعي : إذا ما وجدتم لي مذهبا ووجدتم خبرا على خلاف مذهبي فاعلموا ان مذهبي ذلك الخبر ، وتبعه أصحابه كإسماعيل بن يحيى المزني ، والربيع بن سليمان الجيزي ، وحرملة بن يحيى ، وأبو يعقوب البويطي . [3] أصحاب الرأي والقياس : وسموا بأهل الرأي لأنهم كانوا يقدمون القياس على آحاد الاخبار ، وكانوا يقولون : ان الشريعة معقولة المعنى ولها أصول يرجع إليها ، وللإسلام مصالح تقتضي الحكم على ضوئها ، فإذا لم يجدوا نصا من الكتاب والسنة ، عملوا بالرأي والقياس . وكانوا لا يحجمون عن الفتوى برأيهم خلافا لأصحاب الحديث ، ويحبون معرفة العلل والغايات ، التي من اجلها شرعت الاحكام ، وربما ردوا بعض الأحاديث لمخالفتها لأصول الشريعة ، لا سيما إذا عارضها حديث آخر . وقد تحكم أصحاب هذا الرأي في العراق ، ومن أوائل العاملين بالرأي والقياس ، هو إبراهيم النخعي المتوفى سنة 95 هجرية ( 713 م ) ، وأخذ منه حماد ، وأخذ أبو حنيفة من حماد ، وبعد النعمان بن ثابت الذي كان يقول ( هذا رأي وهذا أحسن ما رأيت ) نما هذا المذاهب وكثر اتباعه ، كمحمد بن الحسن الشيباني ، وأبي يوسف القاضي وزفر بن الهذيل والحسن بن زياد اللؤلؤي ، وغيرهم .