للعلوم والأعمال والخيرات كلّها ومنشأ للرَّوية والتفطّن بها والتمييز بينها وبين غيرها من أضدادها وأمّا الثانية فهي العلوم والمعارف التي بها يعبد الرحمن ويكتسب الجنان وهي ثمرة الأُولى فإذا استعمل ذلك الجوهر مع ما فيه من الرّوية والتفطّن فيما خلق لأجله من اتّخاذ الزاد ليوم المعاد واقتباس العلم والحكمة غير ذلك ممّا هو نافع في الآخرة زادت رويّته وتفطّنه وعظمت قوّتهما ، وتسمّى تلك القوّة أيضاً عقلا إمّا حقيقة أو مجازاً ، وتتفاوت بحسب التفاوت في القوة والضعف وكثرة جنود العقل وقلّتها وشدَّة معارضة الأوهام والقوى وعدمها وإن ترك مهملا ولم يستعمل فيما ذكر ، بل استعمل في أضداده وصرف رويّته وفاطنته بجميع أنحاء الحيل والمكر إلى جمع متفرّقات الدُّنيا وزهراتها وتحصيل جزئياتها وضبط من خرافاتها حتّى يكون أبداً في الحزن والأسف في فوات ما فات وفي الخوف من ذهاب ما حصل وفي الحرص على جمع ما لم يحصل ، وعاونته جنود الجهل صارت قوَّة تلك الرَّويّة والفطانة شيطنة ورويّة من الشيطان وهو عقل عند الجهلة دون الكملة كما عرفت . * الأصل : 4 - « محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن الحسن بن الجهم قال : سمعت الرّضا ( عليه السلام ) يقول : صديق كلّ امرء عقله وعدوّه جهله » . * الشرح : ( محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ) وهو الحسن بن علي بن فضّال من أصحاب الرّضا ( عليه السلام ) وكان خصيصاً به . وكان جليل القدر عظيم المنزلة ورعاً ثقة وكان فطحيّاً يقول بإمامة عبد الله بن جعفر في جميع عمره حتّى حضره الموت فرجع إلى الحقّ ( جش ) ( عن الحسن بن الجهم قال : سمعت الرِّضا ( عليه السلام ) يقول : صديق كلّ امرء عقله وعدوُّه جهله ) كما أنَّ صديق كلّ رجل يجلب له الخير ، ويدفع عنه الشرّ وعدوّه بالعكس كذلك عقله يجلب له المنافع ويدفع عنه المضارَّ ، وجهله بالعكس إذ بالعقل يعرف الحلال والحرام وأحوال المبدء والمعاد ، ويسلك سبيل الهداية والرشاد ، ويميّز بين الحقِّ والباطل ، ويعبد الرحمن ويكتسب الجنان فهو أجدر باطلاق الصديق عليه وأولى ; إذ كلّ صديق غيره لا ينفع بدونه وبالجهل يغفل عن جميع ذلك ويسلك سبيل الغيّ والجهالة ويسعي في طريق الشرّ والضّلالة ويعبد الشيطان ويكتسب غضب الرَّحمن فهو أليق باطلاق العدوِّ عليه وأحرى ; إذ كل عدوّ غيره لا يضرّه بدونه ، وفيه إيماء إلى أنّه ينبغي أن لا يتّخذ الجاهل صديقاً والعاقل عدوّاً ; لأنّ الجاهل إذا كان عدوّاً لنفسه فكيف يكون صديقاً لغيره والعاقل كما يكون صديقاً لنفسه يكون صديقاً لأخيه ويعينه فيما يعينه فمن اتّخذه عدوّاً كان أثر عدواته خزياً بين يديه ومانعاً