متقابلان ولكلّ منهما سالك والسالك على طبقات متفاوتة . فالطبقة الأُولى للايمان من وضع القوانين الشرعيّة بأمر الله تعالى وهم الأنبياء الذين أيّدهم الله بروح النبوّة وروح القدس . والثانية أوصياؤهم الذين أيّدهم الله بروح الإمامة وإذا قبض الأنبياء انتقل روح القدس إلى أوصيائهم وهو لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو ، وبه يعرفون ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى ، ويشاهدون ما كان وما هو كائن وما يكون في الدُّنيا والآخرة . والثالثة التابعون لهم في الأقوال والأعمال والعقائد والمسلّمون لهم في جميع ما أمروا به ونهوا عنه . والرّابعة أصحاب التقليد والاستحسان الذين ينظرون ظواهر الأشياء ويأخذون ما رأوا حسناً ويتركون ما عدّوه قبيحاً . والطبقة الأُولى للكفر من وضع القوانين الفاسدة لشبهات شيطانيّة وتسويلات نفسانيّة كواضعي الدين من الملاحدة والمجسّمة ونحوهما من الأديان الفاسدة ، والثانية المتعلّمون لتلك الشبهات بتعليمهم والمروّجون لتلك الأديان بأمرهم وتفهيمهم وهم بمنزلة أوصيائهم مقابل أوصياء الأنبياء ( عليهم السلام ) . والثالثة التابعون لهم وأهل التسليم لعقائدهم وأفعالهم وأعمالهم . والرّابعة أصحاب التقليد والاستحسان وحال الكلّ في الهداية والضلالة والرُّسوخ وعدمه ظاهرة إلاّ أصحاب التقليد والاستحسان من الفريقين فانَّ الايمان والكفر فيهما معاران مستودعان فإن شاء الله تمّمها لهم وإن شاء سلبهم إياهما ومن ههنا ترى المؤمن قد يرتدّ فيصير كافراً بعدما كان مؤمناً أو الكافر يرجع ويصير مؤمناً بعدما كان كافراً ، نعوذ بالله من سوء العاقبة . ( وذكرت أنّ أُموراً قد أشكلت عليك لا تعرف حقايقها لاختلاف الرّواية فيها ) اختلافاً يوجب الأخذ ببعضها طرح البواقي لعدم إمكان الجمع بينها بوجه ( وإنّك تعلم أنّ اختلاف الرواية فيها لاختلاف عللها وأسبابها ) من جملتها أغراض نفسانيّة وتقرُّبات سلطانيّة وتخيّلات شيطانيّة لقوم سوَّلت لهم أنفسهم فوضعوا الأحاديث لخبث عقائدهم على وفق مقاصدهم كما حكي أنّ غياث بن إبراهيم دخل على المهدي العباسي وكان المهديّ يحبُّ المسابقة بالحمام فروى عن النّبي ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال لا سبق إلاّ في خفّ أو حافر أو نصل أو جناح فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم فلمّا خرج قال المهديّ أشهد أنّ قفاه قفا كذّاب على رسول الله ، ما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو جناح ولكن هذا أراد أن يتقرّب إلينا وأمر بذبح الحمام وقال : أنا حملته على ذلك . وقد وضع المنافقون والزّنادقة والغلات والخوارج أحاديث كثيرة ، وحكي أنّ بعضهم كان يقول بعد ما رجع عن ضلالته : انظروا إلى هذه الأحاديث عمّن تأخذونها فانّا كنّا إذا رأينا رأياً وضعنا له حديثاً ، ومنها توهّم الرّاوي فربّما سمع حديثاً ولم يحفظه على وجهه ووهم فيه فلم يتعمّد كذباً وهو في يده يقول ويعمل به ولو علم أنّه وهمه لرفضه ولو علم المسلمون أنّه وهم لرفضوه . ومنها : التقيّة إذ كثيراً ما كانوا ( عليهم السلام ) يفتون على سبيل التقيّة