حيث قال : أي غير محتملة للتأدّب بالآداب العقليّة والنسك الإلهية والتعلّم بالعلوم الحقيقيّة والمعارف اليقينيّة العلمية ، والا فالقسمان مكلّفان بالأوامر والنواهي الشرعيّة والأعمال من الصّلاة والطواف والزكاة والصّيام وغيرها من الأعمال البدنيّة . هذه عبارته ، وفيه : أنّ القسم الثاني إذا فقد العقل كيف يكون مكلّفاً بهذه الأُمور فتأمّل . ( وجعل عزّ وجلّ سبب بقائهم ) في الدّنيا ( أهل الصّحة والسلامة وجعل بقاء أهل الصّحة والسلامة بالأدب والتعليم ) إذ لولا الأدب والتعليم لكانوا كلّهم بمنزلة البهائم ولفات الغرض من الايجاد ولو كانوا كذلك لما بقوا طرفة عين ; لأنّ الله تعالى لا يدع الأرض بغير عالم يعرف به الحقّ من الباطل ( فلو كانت الجهالة جايزة ) الظاهر أنّ الفاء للتعليل ( لأهل الصحّة والسلامة ) ولم يجب عليهم الأدب والتعليم كما لم يجب على أهل الضرر والزمانة ( لجاز وضع التكليف عنهم ) كما جاز وضعه عن أهل الضرر الزمانة ( وفي جواز ذلك بطلان الكتب والرّسل والآداب ) لأنّ الغرض من إنزال الكتب وإرسال الرُّسل وتقرير الآداب هو التلقّي بما تضمّنه الأوّل والتصديق بما جاء به الثاني وتزيين النفس وتكميلها بالثالث ; ليحصل لهم بذلك نظام الدّنيا وكمال الآخرة ، وإذا لم يجب عليهم ذلك بطل الغرض من هذه الأُمور وإذا بطل الغرض بطل هذه الأُمور ولزم العبث ( و في رفع الكتب والرسل والآداب ) والقول ببطلانها وفسادها ( فساد التدبير ) أي : القول بأن ليس لهذا العالم صانع عالم مدبّر يصنعه بتقدير وتدبير وعلم بعواقب الأُمور من تدبّر الأمر إذا نظر في إدباره أي في عواقبه ( والرّجوع إلى قول أهل الدّهر ) المنكرين للحشر والنشر وبعث الأنبياء ، والقائلين بأن وجود هذا العالم وأجزائه منفعل الطبيعة بإهمال لا بعلم ولا بتدبير ، ولا صنعة فيه ولا تقدير بل الأشياء تتكوّن من ذاتها وكانت الدّنيا لم تزل ولا تزال ويقولون ( إن هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيى وما يهلكنا إلاّ الدّهر ) وإن شئت أن تعرف جملة من تقديرات ربّك وتدبيرات إلهك فعليك بمطالعة توحيد المفضل المنقول عن الصادق جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) وقد سمعت عمن أثق به أنّ السيّد الجليل ابن طاووس رضي الله عنه أوصى إلى بعض أحبّائه وأمره أن يطالعه ويمارسه ( 1 ) والحقّ أنّه مع قلّة حجمه كتاب يظهر لمن مارسه من العلم بالحكم الإلهية والتدبيرات الرّبوبيّة ما يكلّ اللّسان عن وصفه ، ويعجز البيان عن شرحه . ( فوجب في عدل الله وحكمته أن يحضَّ ) بالحاء المهملة والضاد المعجمة أو بالخاء المعجمة والصاد المهملة وقيل : في بعض النسخ « أن يحصر » بالحاء والصاد المهملتين والراء أخيراً أي يضيق
1 - قد أوصى السيد - رحمه الله - ولده وثمرة مهجته « محمّد » بقراءة هذا الكتاب الفصل السادس عشر من كتاب كشف المحجة .