المرأة فتقلّدت هي ، ومنه التقليد في الدّين وتقليد الولاة الأعمال وتقليد الهَدْي وهو أن يعلّق في عنقه شئ ليعلم أنّه هديٌ ( للآباء والأسلاف والكبراء ) فقبلوا ما قبلوه وردّوا ما ردوه من غير أن يتمسّكوا في ذلك بمتمسّك صحيح ومستند صريح كما هو المشاهد في أكثر هذه الأُمّة . ولو سئلتهم عن وجه ذلك لسكتوا بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون ( و الاتّكال على عقولهم في دقيق الأشياء وجليلها ) يعني في أُصول العقائد وفروعها كما هو شأن بعض الحكماء والمتكلّمين وتابعيهما وبعض الفقهاء المتمسكين بالأدلة العقلية مثل الاستحسان والاستصحاب والمفهومات وغيرها . ( فاعلم يا أخي ) شرع في الجواب عمّا سئله السائل بقوله : « هل يسع الناس » وما أشكاه عن شكايته لم يأت بما يزيلها لأنّ تلك الخصال الذميمة قد صارت في أكثر النّاس كالطبيعة الثانية فلا بدّ للعاقل اللّبيب أن يتجرّع كأس الغصص ويصبر صبراً جميلا ( إنّ الله تبارك وتعالى خلق عباده خلقة ) بكسر الخاء للنوع والحالة ( منفصلة ) أي متميزة ( عن البهائم في الفطن ) جمع الفطنة وهي الفهم والذكاء رجل فَطن وفِطن ذكي فهيم ، وفي بعض النسخ « في الفطر » بالراء جمع الفطرة وهي الخلقة من الفطر بمعنى الايجاد كالخلقة من الخلق في أنّها اسم للحالة ثمَّ جعلت إسماً للخلقة القابلة لدين الحقِّ على الخصوص ، وعليه الحديث المشهور « كلّ مولود يولد على الفطرة » إسماً لملّة الإسلام نفسها لأنّها حالة من أحوال صاحبها وعليه قوله ( عليه السلام ) « قصّ الأظفار من الفطرة » كذا في المغرب ، وقد يرجّح هذا على ما في الأصل بأن الكلام في أصل الخلقة والفطنة من الأُمور العارضة . ( والعقول المركّبة فيهم ) بالجرّ عطف على الفطن يحتمل الرفع بالابتداء قال الجوهريّ : « تقول في تركيب الفصّ في الخاتم والنصل في السّهم ركّبته فتركّب فهو مركّب » ( محتملة ) بالنصب حال عن العقول على الأوّل وبالرفع خبر لها على الثاني ( للأمر والنهي ) بخلاف البهائم ، إذ ليست لها فطانة وذكاء ولا عقول بل يتعلّق بها نفوس حيوانية لحفظ التركيب والاغتذاء والنمو وتوليد المثل والاحساس والحركات الاراديّة . ( وجعلهم ) بعد اشتراكهم في الفطن والعقول ( صنفين صنفاً منهم ) بدل أو عطف بيان للمفعول الأوّل ( أهل الصحة والسلامة ) مفعول ثان ، ومن قال : إنّ « صنفاً منهم » منصوب على أنّه بدل عن مفعول ثان لجعل وأورد على قوله « أهل الصحّة والسلامة » بأنه لا محل له من الأعراب فقد أخطأ ( وصنفاً منهم أهل الضرر ) الضرّ خلاف النفع والاسم الضرر وهو المشقّة والضرير ذاهب البصر ( والزمانة ) هي آفة في الحيوانات ورجلٌ زَمن أي مبتلى بيّن الزّمانة قيل : المراد أنّهم ضراير وزُمناء في الجوهر الباطني والأوّل إشارة إلى قصور القوّة النظرية التي يقال لها العقل النظري ، والثاني اختلال القوّة العلمية التي يقال لها العقل العملي .