للإدراكات الكليّة والجزئية متفاوتة في الكدرة والصفاء والظلمة والضياء وبحسب تفاوتها وتفاوت الموادّ يتفاوت التعلّقات والادراكات فكلّما كانت النفس الناطقة أشرف وأنور كان تعلّقها بالمواد الّتي هي ألطف وأقوى أقدم وأسرع ، وكان إدراكها أتمّ وأكمل لتمام الاستعداد والمناسبة وكمال الصفاء والنورانيّة فيصل الجذب والادراك بسهولة ، فمن عجنت نطفته بزلال العقل وخمّرت به واستضاءت موادُّها بنوره لغاية لطافتها وقوّة استعدادها كان بعد انتهاء الاستعداد وحصول بقيّة شرايط الادراك بالفعل عاقلا فاضلا مدركاً كاملا عارفاً للآخر من الأوّل ، والفرع من الأصل ، لأنّه وقت كونه نطفة إلى أوان الادراك كان يمشق الادراك ويتمرَّن عليه والفعل بعد المشق والتمرُّن في غاية السهولة والكمال كما لا يخفى على المتدرّب ، ولا يجوز أن ينكر تعلّق العقل بالنطفة حين كونها نطفة باعتبار عدم حصول العلم بذلك التعلّق ، وإلاّ لجاز أن ينكر تعلّقه بعد تسوية البدن وتكميله لاشتراك العلّة ، مع أنّه قد يحصل لبعض العارفين المجرَّدين عن العلايق الجسميّة والعوائق البدنيّة الناظرين إلى جمال المطلوب بعين المشاهدة ، علم بتعلّقات عقله في الأكوان البشريّة وتصرُّفاته في الموادِّ الجسمية ، بل ربّما كان في آن تعلّقه عالماً كاملا فاضلا عارفاً بالله وملائكته وكتبه ورسله ، كما روي في شأن أئمتنا صلوات الله عليهم أجمعين وعدم حركة النطفة وانقلابها لا يوجب إنكار تعلّقه بها كما يشاهد ذلك من النائم وأصحاب السكتة وقد ذهب جماعة إلى إن للأرض والجبال وغيرهما من الجمادات نفوساً متعلّقة بها مع أنّها ساكنة على أنَّ الحركة الإرادية في المادِّيات من خواصّ النفس الحيوانيّة وامتناع تعلّق القوّة العاقلة قبلها ممنوع ( 1 ) . وبالجملة تعلّق العقل بالنطفة أمر ممكنٌ عقلا وقد أخبر به الصادق ( عليه السلام ) فوجب الاعتراف به ومن ركّب عقله في بطن أُمّه فهو دون الأوّل في الإدراك لقلّة تمرنه وتدربه وضعف امتزاج مادَّته وتعجينها بخميرة العقل بالنسبة إلى الأوّل فله الدرجة الوسطى من الإدراك يفهم معنى الكلام بعد تمامه لا قبله مثل الأوّل ومن ركّب عقله فيه بعد الوضع إلى زمان التكليف وهذا هو المراد بقوله بعدما كبر فهو دون
1 - ماهية التعلق ليست واحدة مثلا تعلق المعلول بالعلة نحو من التعلق لا يستحيل بين الممكن والواجب وأثر هذا التعلق انعدام الممكن على فرض عدم تعلق الممكن به تعالى وتعلق النفس بالبدن تعلق بنحو آخر وأثره زوال الحياة بزوال التعلق وتعلق الملائكة بالموجودات بنحو التدبير والتصرف وتعلق العقل الفعال بالنفوس الناطقة على مذهب الحكماء أو بجميع الموجودات في عالم الكون والفساد نحو من التعلق معقول وتعلق النفوس الفلكية بالافلاك أيضاً أمر معقول سواء كان واقعاً أو لا وليس في جميع الآثار نظير تعلق النفس الحيوانيّة بأبدانها واحتمال تعلق النفس بالأرض والجبال نظير تعلقها بالافلاك إذ لا يستلزم التعلق سمعاً وبصراً ولمساً وعصباً ودماغاً وغيره باعتبار استلزامه حركة إرادية في الأفلاك وهكذا ( ش ) .