الناشئ من قوله : « احتجب » . الثاني أن يكون مضافاً إليه والإضافة بتقدير اللاّم والنفي راجع الحجاب والمقصود أنّ حجابه ليس بالمعنى المتعارف بل لتعاليه عن إدراك القوّة البشريّة إيّاه وهذا الاحتمال بعيد جدّاً ، ويخطر بالبال أيضاً معنى آخر لهذا الكلام وظنّي أنّه أولى بالإرادة منه وهو أنّه لمّا قال : « احتجب » توهّم منه أنّ حجابه غليظ ثخين كثيف مانع من إدراك وجوده وصفاته تعالى شأنه بالكلّية فدفع ذلك التوهّم بقوله : « بغير حجاب محجوب » صفة لحجاب والمقصود أنّ احتجابه ليس بحجاب محجوب بحجاب آخر بأن يكون غليظاً أو يكون بعضه فوق بعض آخر مانعاً من مشاهدته . نظير ذلك قوله تعالى : ( حجاباً مستوراً ) قال الجوهري في تفسيره أي حجاباً على حجاب ، والأوّل مستور بالثاني يراد بذلك كثافة الحجاب . وهذا المعنى رقمته سالف الزّمان ورأيت الآن حين التحرير أنّه سبقني إليه سيّد الحكماء الإلهيّين ( 1 ) حيث قال : هذا من باب « حجاباً مستوراً » أي حجاباً على حجاب . ( عرف بغير رويّة ) « عرف » مبنيّ للمفعول ، الرّوية - بفتح الراء وكسر الواو وشدّ الياء - التفكّر والنظر يعني عرف وجوده من غير نظر واستدلال لأنه بديهيّ كما صرّح به بعض المحقّقين ، أو لأنَّ الاستدلال لا يفيد معرفته بخصوصه ; لأنَّ اللّمّي غير ممكن أو ليس له علّة والإنّيّ لا يفيد لأنه استدلال من الأثر والأثر لا يفيد إلاّ مؤثّراً ما على وجه كلّي لا مؤثّراً معيّناً ، فمعرفته بالحقيقة ليس إلاّ بالمشاهدة الحضوريّة كما هي لبعض الكاملين . وفي بعض النسخ « رؤية » بضم الراء والهمزة الساكنة يعني عرف بغير إبصار كما قال سبحانه : ( لا تدركه الأبصار ) وهو تأكيد للسابق . ( ووصف بغير صورة ) أي وصف بغير صفة فإنّه وصف بأنّه قادر بغير قدرة قائمة بذاته وكذلك وصف بأنّه سميع بصير عالم حكيم لطيف خبير إلى غير ذلك ، وليس هناك صورة وصفات زائدة على الذات وإطلاق الصورة على الصفة شايع أو وصف بغير حدّ ، إذ كلُّ ما وصف بحدّ لا بدَّ أن يكون له مهيّة كليّة مركبة من جنس وفصل وإذ ليس له تعالى شأنه شئ من أنحاء التركيب لا يجوز أن يوصف بالحدّ . ( ونعت بغير جسم ) أي نعت بأنّه مغاير بجسم وجسماني أي بأمر مغاير لهما بحدوثهما وتحيّزهما وهو منزّه عنهما ، ولمّا ذكر حمده تعالى على وجه يشعر بالاختصاص وكان ذلك مفيداً لتفرده بالالهيّة وذكر أيضاً تفرّده بالملكوت والجبروت وبخلق الأشياء إلى غير ذلك من صفات المدح والتكريم المفيدة لتفرّده بالثناء والتعظيم أراد أن يصرّح بالمقصود لأنّه كالنتيجة لما مرّ فقال : ( لا إله إلاّ الله الكبير المتعال ) أي العظيم لا بالكمّ والمقدار ، بل بالرتبة والرّفعة ، لأن ذاته المقدّسة