( المرغوب إليه فيما عنده ) من النعم الدّنيويّة والاُخرويّة جليّها وخفيّها يقال : رغب فيه وإليه إذا أراده وطمع فيه وحرص عليه . الرّغبة السؤال والطلب ، وإنّما عقّب بالرّهبة الرّغبة للتنبيه على وجوب مقارنتهما في التحقّق ، إذ لا خير في رهبة بلا رغبة ، ولا رغبة بلا رهبة ، بل وجب تقارنهما وتساويهما كما دلّ عليه بعض الأخبار ويرشد إليه قوله تعالى في وصف الأنبياء والأولياء ( إنّهم يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ) وقوله تعالى : ( وادعوه خوفاً وطمعاً إنَّ رحمة الله قريب من المحسنين ) وإنّما ترك سبب الرّغبة للإشارة إلى أنّ ذاته بذاته هو الجواد المطلق ، فلا حاجة في بسط الرّجاء إلى ملاحظة شئ آخر غير ذاته أو لاندراج سببها تحت سبب الرهبة لأنّ جلالته المطلقة كما يكون بالقهر والغلبة على ما عداه ممّن اتّصف بسمة الامكان كذلك يكون بالرّحمة واللّطف والاحسان ; إذ لولا الثاني لكانت عظمته وجلالته مقيّدة بوجه من الوجوه فحينئذ نقول من ملاحظة الأوّل تحصل الرهبة ومن ملاحظة الثاني تحصل الرّغبة ، ولا يجوز ملاحظة أحدهما وحده ، لأنه يستلزم القنوط أو الجرأة وكلاهما مذموم ، أو نقول في كلّ واحد من الأوّل والثاني تحصل الرّهبة والرغبة جميعاً ، أمّا في الأوّل فلأنّ لطفه مستور في قهره فمن حيث القهر تحصل الرّهبة ومن حيث اللّطف تحصل الرغبة ، واليه يشير قوله تعالى : ( وإذا مسّكم الضرّ في البحر ضلّ من تدعون إلاّ إيّاه ) وأمّا في الثاني فلانّ قهره مستور في لطفه وإحسانه لاحتمال أن يكون ذلك على سبيل الاستدراج ، وإليه يشير قوله تعالى حكاية عن سليمان ( عليه السلام ) ( ليبلوني ءأشكر أم أكفر ) وقوله تعالى : ( ولئن شكرتم لأزيدنّكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ) وبالجملة هو مرهوب ومرغوب إليه دائماً ، والعبد راغب وراهب في جميع الأحوال واليه يشير قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) « هو المأمول مع النقم والمرهوب مع النعم » ( 1 ) . ( النافذ أمره في جميع خلقه ) أي أمر التكوين ، أو أمر الافناء والإعدام ، أو حكم القضاء ، أو أمر التشريع بإرادة لازمة من الثواب والعقاب دون ظاهره بأنّه متعلّق بالثقلين منهم من أطاعه ومنهم من عصاه . ( علا فاستعلى ) الاستعلاء هنا لزيادة المبالغة أي علا في رتبته عن رتبة المخلوقين ، فاستعلى عن التشبّه بصفاتهم ، والتفريع ظاهرٌ لأنّ الأوّل مستلزم للثاني ، وإن أردت زيادة توضيح فنقول : العلوّ يطلق بالاشتراك على معان ثلاثة : الأوّل الحسّي كالعلوِّ بحسب المكان . الثاني التخيّلي كعلوّ الملك على رعيته . والثالث العقلي
1 - هذا الكلام مروي عنه ( عليه السلام ) في كتاب نهج البلاغة في خطبة له ( عليه السلام ) تحت رقم 62 أوله « الحمد لله الّذي لم يسبق له حال حالا » وفيه هكذا « المأمول مع النقم والمرجو من النعم » .