المتصوّفة فتصوّر معناه أشكل من التصديق بصحّته وبطلانه ، والحق السكوت عنه ، ونعم ما قال شارح الباب الحادي عشر بعد ابطال الاتحاد بمعناه المتبادر : فإن عنوا غير ما ذكرناه فلا بدَّ من تصوُّره أوَّلا ثمَّ يحكم عليه وإن عنوا ما ذكرناه فهو باطل قطعاً . واعتقادنا في الله تعالى أنّه لا يرى بالبصر وأنّه لا شريك له ، وليست صفاته معاني زائدة على ذاته مثلا ليست حياته بنفس أو روح حيواني كما في أبداننا وليس صفاته منحصرة فيما ذكر بل لا يحيط بصفاته وأسمائه إلاّ هو ، واعتقادنا أنَّ حسن الأفعال أو قبحها ذاتي يعرفان بالعقل ولذا يحكم بهما من لا يعترف بشرع أصلا واعتقادنا أنّا فاعلون بالاختيار ولذلك يصحُّ من الله تكليفنا ولو كنّا مجبورين قبح أن يخلق الفعل فينا ثم يعذّبنا عليه . واعتقادنا أنَّ القبيح محالٌ عليه تعالى فلا يصدر منه وإن قدر عليه . واعتقادنا أنَّ فعل الله تعالى لغاية ومصالح ولا يجوز أن يصدر منه فعل عبثاً بل لا يمكن صدوره من غيره ولا يجوز أن يكون غاية فعله تعالى تكميل ذاته لأنّه فوق كلِّ كمال ولا أن يكون حاله بعد الفعل أولى به ممّا قبله ، بل مقتضى حكمته ورحمته ولطفه إفاضة الخيرات وبذلك الاعتبار يصحُّ أن يقال : هو ذاته غاية فعل نفسه فمنه المبدء وإليه المصير ، فإذا قيل : لم فعل الله تعالى العالم أُجيب بأنَّ ذلك لرحمته وحكمته وهما عين ذاته ، ولو قيل : لم فعل الإنسان بيتاً له ؟ أُجيب لأن يسكن فيه ويأمن الحرَّ والبرد وهذه الغاية ليست عين ذات الإنسان بخلاف غاية فعله تعالى . واعتقادنا أنَّ التكليف من الشارع حسن إذ خلق الشهوة والميل إلى القبيح والتكليف زاجر عنه وكلّ شئ يقرب العبد إلى ارتكاب المحاسن ويبعده عن المكاره كبعث الأنبياء وتأييدهم بالمعجزات والأمر والنهي والتخويف من العقاب والترغيب في الثواب لطف كما قيل : التكاليف الشرعيّة ألطاف في الواجبات العقليّة . واعتقادنا أنّ اللّطف واجب في حكمته ورحمته كما قال : ( كتب ربّكم على نفسه الرَّحمة ) وشرط اللّطف أن لا يبلغ الإلجاء بأن يسبّب الأسباب بحيث لا يتمكّن العبد من المعصية مثلا لا يجب على الله أن لا يخلق الخمر حتّى لا يشربها أحدٌ أوْ لا يخلق فيه الشهوة حتّى لا يزني فإنَّ ذلك وإن كان يقرب العبد إلى الطاعة لكن يبلغ حدّ الإلجاء وهو ينافي التكليف كما قال : ( لو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعاً ) يعني بالإلجاء لكن خيّرهم ولم يجبرهم ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيَّ عن بيّنة . ويجب أيضاً عليه إقدار العبد وتمكينه من الفعل المكلّف به وهذا شرط التكليف ولا يسمّى لطفاً فإن قيل : نرى كثيراً ممّا يقرب العبد إلى الطاعة يقيناً لم يحصل مثلا لو رأى الفاسق في كلِّ يوم معجزة من وليِّ ربّما يرتدع ولو ابتلى كلّ فاسق ببلاء بعد عمله ربّما انزجر ، وأمثال ذلك . قلنا جميع ما يتوهّم من ذلك إمّا أُمور غير ممكنة في حكمة الله تعالى وإمّا يصير إلى حدِّ الالجاء وإن لم نعلم تفصيله .