على أن يذهبا " بأنفسهما من غير مضطرّ إلى ذلك ، فلأيّ علّة " يرجعان " ، أي يرجع كلّ واحد منهما إلى حالته الأُولى بعد ذهابه عنها " وإن كانا غير مضطرّين " ؛ بل هما مختاران في أفعالهما فلِمَ لا يتبدّلان بأن يصير الليل نهاراً والنهار ليلاً ؟ فدوامهما على حال واحد وثبوتهما على وتيرة دائمة يدلّ على أنّهما مضطرّين إلى ذلك غير مختارين فيه ، فإنّ أفعال المختار ربما تبدّلت بتبدّل إرادته " والذي اضطرّهما أحكم منهما وأكبر " قال صاحب الغريبين نقلاً عن ابن الأعرابي : " إنّ الحكمة عند العرب ما مُنِعَ به من الجهل " . ( 1 ) فعلى هذا معنى " أحكم منهما وأكبر " أنّه أمنع منهما من الجهل به ، فإنّه أظهر قدرته وجلى وجوده فيهما وفي كلّ شيء سواهما ، فهو سبحانه أحكم منهما وأعظم في الإرشاد إليه ، وهذا دليل قطعي وبرهان عقلي فيه انتقال من المصنوع إلى الصانع ، ومن المعلول إلى العلّة ، وهو أظهر الدليلين تعالى الله عن شائبة الإنكار علوّاً كبيراً . * قوله صلوات الله عليه : إن كان الدهر يذهب [ بهم ] إلخ [ ص 73 ح 1 ] أي إن قلتم يذهب بهم ، أي يعدمهم ، قيل لكم : " لِمَ لم يردّهم " ( 2 ) ، أي يوجدهم في ذلك الوقت الذي عدمهم فيه ، أي ما الجهة المقتضية لترجيح إحدى جهتي الإمكان على الأُخرى في ذلك الوقت ، وإن قلتم : " يردّهم " ، أي يوجدهم ، قلنا : لِمَ لم يعدمهم في ذلك الوقت . فالحاصل مطالبتكم بجهة الترجيح ، ولا إرادة ولا اختيار ، فلا ترجيح ، منه يعلم بطلان إسناد الإعدام والإيجاد معاً إليه ؛ ولهذا لم يتعرّض له . " القوم مضطرّون " الاضطرار : القهر والغلبة وإجراء الشيء على خلاف طبعه ، وذات ما سواه تعالى شأنها الإمكان ، فإخراجها عنه إلى الوجوب السابق على الوجود
1 . الغريبين ، ج 2 ، ص 477 ( حكم ) وفيه : نقل عن ابن عَرَفَة . 2 . في الكافي المطبوع : " لا يردّهم " .