من أحسن عملا . فجاء حتى وقف عليهم ثم قال : عليكم السلام يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة ، من المؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، وأنتم لنا سلف وفرط ، ونحن لكم تبع ، وبكم عما قليل لاحقون . اللهم اغفر لنا ولهم ، وتجاوز عنا وعنهم . ثم قال : الحمد لله الذي جعل الأرض كفاتا [1] ، أحياء وأمواتا ، الحمد لله الذي جعل منها خلقنا ، وفيها يعيدنا ، وعليها يحشرنا . طوبى لمن ذكر المعاد ، وعمل للحساب ، وقنع بالكفاف ، ورضي عن الله بذلك . ثم أقبل حتى دخل سكة الثوريين فقال : خشوا بين هذه الأبيات [2] نصر ، عن عمر قال : حدثني عبد الله بن عاصم القائشي ، قال : لما مر على بالثوريين - يعني ثور همدان - سمع البكاء فقال : ما هذه الأصوات ؟ قيل : هذا البكاء على من قتل بصفين . فقال : أما إني أشهد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة . ثم مر بالفائشيين فسمع الأصوات فقال مثل ذلك ، ثم مر بالشباميين فسمع رنة شديدة وصوتا مرتفعا عاليا ، فخرج إليه حرب ابن شرحبيل الشبامى [3] فقال على : أيغلبكم نساؤكم ، ألا تنهونهن عن هذا الصياح والرنين ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثا قدرنا على ذلك ، ولكن من هذا الحي ثمانون ومائة قتيل ، فليس من دار إلا
[1] الكفات ، بالكسر : الموضع الذي يضم فيه الشئ يقبض . وظهر الأرض كفات للأحياء ، وبطنها كفات للأموات . وفي الكتاب العزيز : ( ألم نجعل الأرض كفاتا . أحياء وأمواتا ) . [2] خشوا : ادخلوا ، خش في الشئ : دخل . وفي الأصل : " حشوا " تحريف . وكلمة " بين " ليست في الأصل ، وصوابه وتكملته من الطبري ، وعبارته : " خشوا ادخلوا بين هذه الأبيات " . [3] الشبامى : نسبة إلى شبام ، بالكسر ، وهم حي من همدان . وفي الأصل : " حارب بن شرحبيل الشامي " تحريف .