كالغريق يغطشه الموج ، فيتعلق بأرجل الضفادع ، فاجتهد جهدك ، فلست أنزل إلا على حيث تكره ، ولا اجتهد إلا في ما يسؤك ، وستعلم أينا الخاضع لصاحبه الطالب إليه والسلام . فلما ورد كتاب زياد على معاوية غمه وأحزنه ، وبعث إلى المغيرة بن شعبة وخلا به ، وقال له : يا مغيرة إن زياد قد أقام لنا بفارس يكش لنا كشيش الأفاعي ، وهو رجل ثاقب الرأي ماضي العزيمة ، وقد كنت أخشى منه إذا كان صاحبه وأخشى ممالاته حسنا ، فما الحيلة في إصلاح رأيه ؟ ، فقال المغيرة : إن زياد يحب الشرف والذكر وصعود المنابر ، فلو لاطفت له المسألة وألفت له القول لكان أميل إليك ، فاكتب إليه كتابا وأنا الرسول ، فكتب : من معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن أبي سفيان ، أما بعد ، فإنك قطعت رحمك ، ووصلت عدوك ، وحملك سوء ظنك بي على أن قطت رحمي ، ووصلت خصمي ، وعققت قرابتي ، حتى كأنك لست أخي ، وليس صخر بن حرب أباك وأبي ، وقد رأيت أن أعطف عليك ولا أؤاخذك بسوء فعلك ، واعلم انك لو خضت البحر في طاعة بني هاشم ما ازددت منهم إلا بعدا ، فإن بني عبد شمس أبغض إلى بني هاشم من الشفرة إلى الثور الصريع ، فارجع إلى أصلك واتصل بقومك ، فقد أصبحت ضال النسب ، فإن أحببت إجابتي فثق بقولي ، وإن كرهت إجابتي ففعل جميل لا إلي ولا علي والسلام . فرحل المغيرة بالكتاب حتى دخل على زياد ، فدفع إليه الكتاب ، فجعل يتأمله ويضحك فلما فرغ من قراءته قال : حسبك يا مغيرة أني أطلعك على ما في ضميري ، إني صاحب رؤية في نفسي ، فلا تعجل علي ولا تبدأني بشئ حتى أبدأك به ، ثم غلبت عليه الشقاوة وحب الجاه والرئاسة ، فصعد المنبر بعد ثلاثة أيام ، ثم قال : أيها الناس ادفعوا البلاء ما اندفع عنكم ، وارغبوا في دوام العافية لكم ،