فحرية بأن تكون بهذه الفصاحة والبلاغة ، وأن تكون لها هذه الشجاعة الأدبية والجسارة العلوية ، ويزيد الطاغية يوم ذاك هو السلطان الأعظم والخليفة الظاهري على عامة بلاد الاسلام تؤدى له الجزية الأمم المختلفة والأمم المتبانية في مجلسه ، الذي أظهر فيه أبهة الملك وملأه بهيبة السلطان ، وقد جردت على رأسه السيوف ، واصطفت حوله الجلاوزة ، وهو وأتباعه على كراسي الذهب والفضة وتحت أرجلهم الفرش من الديباج والحرير ، وهي صلوات الله عليها في ذلة الأسر ، دامية القلب باكية الطرف ، حرى الفؤاد من تلك الذكريات المؤلمة والكوارث القاتلة ، قد أحاط بها أعداؤها من كل جهة ، ودار عليها حسادها من كل صوب ، ومع ذلك كله ترمز للحق بالحق ، وللفضيلة بالفضيلة ، فتقول ليزيد غير مكترثة بهيبة ملكه ولا معتنية بأبهة سلطانه : أمن العدل يا ابن الطلقاء ، وتقول له أيضا : ولئن جرت على الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك واستكثر توبيخك ، فهذا الموقف الرهيب الذي وقفت به هذه السيدة الطاهرة مثل الحق تمثيلا ، وأضاء إلى الحقيقة لطلابها سبيلا ، أفحمت يزيد ومن حواه مجلسه المشؤوم بذلك الأسلوب العالي من البلاغة ، وأبهتت العارفين منهم بما أخذت به مجامع قلوبهم من الفصاحة ، فخرست الألسن وكمت الأفواه وصمت الآذان ، وكهربت تلك النفس النورانية تلك النفوس الخبيثة الرذيلة من يزيد وأتباعه بكهرباء الحق والفضيلة ، حتى بلغ به الحال أنه صبر على تكفيره وتكفير أتباعه ، ولم يتمكن من أن ينبس ببنت شفة ليقطع كلامها أو يمنعها من الاستمرار في خطابتها ، وهذا هو التصرف الذي يتصرف به أرباب الولاية متى شاؤوا وأرادوا بمعونة الباري تعالى لهم ، وإعطائهم القدرة على ذلك . وما أبدع ما قاله الشاعر الجليل السيد مهدي بن السيد داود الحلي عم الشاعر الشهير السيد حيدر رحمهما الله في وصف فصاحتها وبلاغتها من قصيدة :