وإشخاص أبي ( ع ) ، فأشخصنا فلما وردنا مدينة دمشق حجبنا ثلاثة أيام ثم أذن لنا في اليوم الرابع ، فأدخلنا عليه وإذا هو قد قعد على سرير الملك وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم متسلحون وقد نصب الغرض وأشياخ قومه يرمون ، فلما دخلنا وأبي ( ع ) أمامي وأنا خلفه فنادى أبي وقال : ارم مع أشياخ قومك الغرض ، فقال له أبي ( ع ) : قد كبرت عن الرمي فهل رأيت أن تعفيني ؟ فقال : وحق من أعزنا بدينه ونبيه محمد ( ص ) لا أعفيك ، ثم أومى إلى شيخ من بني أمية وقال : أعطه قوسك ، فتناول أبي ( ع ) عند ذلك قوس الشيخ ثم تناول منه سهما فوضعه في كبد القوس ، ثم انتزع السهم ورمى الغرض فنصبه فيه ، ثم رمى الثانية فشق فوافق سهمه إلى نصله ، ثم تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضا في جوف بعض وهشام يضطرب في مجلسه فلم يتمالك أن قال : أجدت يا أبا جعفر وأنت أرمى العرب والعجم ، زعمت أنك كبرت عن الرمي ثم أدركته ندامة على ما قال ، وكان هشام لم يكن أجل قبل أبي ( ع ) ولا بعده في خلافته فهم به وأطرق إلى الأرض إطراقة يتروى فيه ، وأنا وأبي ( ع ) واقفان حذاه موجهان نحوه ، فلما طال وقوفنا غضب أبي ( ع ) وهم به وكان أبي ( ع ) إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يرى الناظر الغضب في وجهه . فلما نظر هشام من أبي ذلك قال له : إلي إلي يا محمد فصعد أبي السرير وأنا اتبعه ، فلما دنا من هشام قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه ، واعتنقني وأقعدني عن يمين أبي ( ع ) ، ثم أقبل على أبي بوجهه ، فقال له : يا محمد لا تزال العرب تسودها قريش ما دام فيها مثلك ، فلله درك من علمك هذا الرمي وفي كم تعلمته ؟ فقال أبي : قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي ، فلما أراد أمير المؤمنين ذلك مني عدت إليه ، فقال : ما رأيت مثل هذا الرمي منذ عقلت ، وظننت أن أحدا في الأرض يرمي هذا الرمي أيرمي ابنك جعفر ( ع ) مثل هذا الرمي ؟ فقال ( ع ) : نحن نتوارث في تمام الدين كما قال الله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم