فأقاموا هناك ثلاثة أيام ملازمين لإقامة المأتم وإجراء الدموع السواجم ، ثم بعد ذلك أمر علي بن الحسين ( ع ) بشد الرحال فشدوها ، فصاحت سكينة بالنساء لتوديع قبر أبيها فدرن حول القبر ، فحضنت سكينة قبر أبيها وبكت بكاء شديدا وحنت وأنشأت تقول : [ ألا يا كربلا نودعك جسما * بلا كفن ولا غسل دفينا ] [ ألا يا كربلا نودعك روحا * لأحمد والوصي مع الأمينا ] وانكبت أيضا فاطمة ابنة الحسين على قبر أبيها وبكت بكاء شديدا حتى غشي عليها . [ أحسين بعدكم لا هنا عيش * ولا لذت مشارب ] [ ها نحن بعدك يا غريب * الدار أمسينا غرايب ] [ وعلى الشدائد يا شهيد * الطف شدينا المصايب ] فلما أرادوا الانفصال من كربلاء ذات المصائب والبلا وضع زين العابدين ( ع ) يده المباركة على ذلك القبر الشريف ففاض منه دم عبيط ، فأشار إلى تلك الحرم والأطفال وقال مخاطبا لهن بلسان الحال ودموع عينيه في انهمال : [ خذوا لكم من دم الأحباب تحفتكم * وخاطبوا الجد هذي تحفة السفر ] فأخذن من تلك الدماء الطاهرة وصبغن شعورهن الفاخرة ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة بقلوب حزينة ومدامع هتونة . قال بشر بن حذلم : فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين ( ع ) فحط رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال : يا بشر رحم الله أباك لقد كان شاعرا فهل تقدر على شئ منه ؟ فقلت : بلى يا ابن رسول الله إني لشاعر فقال ( ع ) : أدخل المدينة وانع أبا عبد الله قال بشر : فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة ، فلما بلغت مسجد النبي ( ص ) رفعت صوتي بالبكاء فأنشأت أقول :