تشخب دما وهو مع ذلك يبكي ويقول : [ يا أمة السوء لا سقيا لربكم * يا أمة لم تراعي جدنا فينا ] [ لو أننا ورسول الله يجمعنا * يوم القيامة ما كنتم تقولونا ] [ تسيرونا على الأقتاب عارية * كأننا لم نشيد فيكم دينا ] [ تصفقون علينا كفكم فرحا * وأنتم في فجاج الأرض تسبونا ] [ أليس جدي رسول الله ويلكم * أهدى البرية من سبل المضلينا ] قال : وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض الخبز والإوز والتمر ، فصاحت بهم أم كلثوم ، يا أهل الكوفة إن الصدقة علينا حرام ، وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض ، قال : كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم . [ وأعظم ما يشجي ويودع في الحشا * حرارة وجد دونها لذعة الجمر ] [ تصدق أعداها عليها شماتة * بما نالها بالخبز والجوز والتمر ] ثم أن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت : صه يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم وتبكينا نساءكم فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء . فبينا هي تخاطبهن إذا بصيحة قد ارتفعت وإذا هم قد أتوا بالرؤوس يتقدمهم رأس الحسين ، وهو رأس أزهري قمري أشبه الخلق برسول الله ، ولحيته كسواد السبج قد اتصل بها الخضاب ، ووجهه دائرة قمر طالع والريح تلعب بها يمينا وشمالا ، فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها ، وأومت إليه بحرقة قلب وهي تقول : [ يا هلالا لما استتم كمالا * فاله خسفه فأبدى غروبا ] [ ما توهمت يا شقيق فؤادي * كان هذا مقدرا مكتوبا ] [ يا أخي فاطم الصغيرة كلمها * فقد كاد قلبها أن يذوبا ] [ يا أخي قلبك الشفيق علينا * ما له قد قسى وصار صليبا ] [ يا أخي لو ترى عليا لدى الأسر * مع اليتيم لا يطيق وجوبا ]