ولما وقع الصلح بين الحسن ومعاوية انعزل قيس بن سعد بن عبادة ومن معه ، وكان معه أربعة آلاف فارس ، فأبى أن يبايع ، فألزمه معاوية على البيعة وأكرهه على ذلك ، فجاء قيس بن سعد إلى الحسن وقال له : يا ابن رسول الله أنا في حل من بيعتك ؟ قال : نعم ، فانصرف قيس وبايع ، وكان قيس رجلا طويلا إذا ركب الفرس المشرف رجلاه تخطان في الأرض وما في وجهه طاقة شعر ، وكان يسمى خصي الأنصار لقلة شعره ، فلما أرادوا إدخاله على معاوية للبيعة قال : إني حلفت لا ألقاه إلا وبيني وبينه الرمح والسيف ، فأمر معاوية بإحضار رمح وسيف ليبر يمينه ، ودخل على معاوية ، فوضع له كرسي وجلس معاوية على سريره والحسن ( ع ) معه ، فقال له ، أتبايع يا قيس ؟ قال : نعم ، فوضع يده على فخذه ولم يمدها إلى معاوية ، فأكب معاوية على قيس بن سعد بن عبادة حتى مسح يده على يده ، ولم يرفع قيس إليه يده . ثم أن الحسن ( ع ) أقام في الكوفة أياما ، ثم تجهز للشخوص إلى المدينة فدخل عليه المسيب بن نجية وظبيان بن عمارة لوداعه ، فقال الحسن : الحمد لله الغالب على أمره ، لو اجتمع الخلق جميعا على أن لا يكون ما هو كائن ما استطاعوا ، فقال أخوه الحسين ( ع ) للمسيب : لقد كنت كارها لما كان طيب النفس على سبيل أبي حتى أعزم على أخي فأطعنه ، فكأنما يجذ أنفي بالمواسي ، ولكنه الامام وتجب علينا طاعته ، قال المسيب : إنه والله ما يكبر علينا هذا الامر إلا أن تضاموا وتقصوا وأما نحن فإنهم يطلبون مودتنا بكل ما قدروا عليه ، فقال الحسين ( ع ) : يا مسيب إنا نعلم أنك تحبنا ، فقال الحسن ( ع ) : سمعت أبي يقول : سمعت رسول الله يقول : من أحب قوما كان معهم ، فعرض له المسيب وظبيان بالرجوع عن المسير فقال : ليس إلى ذلك من سبيل ، فلما كان من الغد خرج ( ع ) بأهله وإخوته وأولاده وجميع من يليه من أهل بيته ، وخرج سائرا ، فلما صار بدير هند ، نظر إلى الكوفة وقال : [ وما عن قلا فارقت دار معاشري * هم المانعوني حوزتي وذماري ]