حين قبضه إليه ، لقد اختصه الله بفضل لم تعدوا بمثله ولم تجدوا مثل سابقته ، فهيهات هيهات ، طالما قلبتم له الامر حتى أعلاه الله عليكم ، وهو صاحبكم في بدر وأخواتها ، جرعكم رتقا ، وسقاكم علقا ، وأذل رقابكم ، وأشرقكم بريقكم ، فلستم بملومين على بغضه ، وأيم الله لا ترى أمة محمد خفضا ما دامت ساداتهم وقادتهم بني أمية ، ولقد وجه الله إليكم فتنة لم تصدروا عنها حتى تهلكوا ، لطاعتكم طواغيتكم وانضوائكم ، فعند الله احتسب ما مضى وما ينتظر من حسن رعيتكم وحتف حكمكم . ثم قال : يا أهل الكوفة ، فارقكم بالأمس سهم من مرامي الله صائب على أعداء الله ، نكال على فجار قريش ، لم يزل آخذا بحناجرها ، جاثما على أنفاسها ، ليس بالملومة في أمر الله ، ولا بالسروقة في مال الله ، ولا بالفروقة في حرب أعداء الله ، أعطى الكتاب خواتمه وعزائمه ، دعاه فأجابه ، وقاده فاتبعه ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، صلوات الله عليه ورحمته يوم قبض ويوم يبعث حيا . فأراد معاوية أن يخجله ويقطع عليه كلامه ، فقال : يا حسن حدثنا بنعت الرطب كيف يكون ، فقال : نعم يا معاوية إن الرطب أولا تلقحه الشمال ، وتخرجه الجنوب ، وتنضجه الشمس ، ويصبغه القمر ، وتنفحه الريح ، والليل يبرده ، والبرودة تحليه وتطيبه ، ثم استمر في كلامه وقال : أيها الناس أنا ابن مروة والصفا ، أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن من على الجبال الرواسي علا ، أنا ابن من كسى محاسن وجهه الحيا ، أنا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، أنا ابن عديمات العيوب ، أنا ابن نقيات الجيوب ، أنا ابن أزكى الورى طرا ، وكفاني بهذا فخرا . ثم أن معاوية أمر المؤذن أن يؤذن ويقطع عليه كلامه ، فلما قال المؤذن