العودة المظفرة إلى مكة :
بعد ثماني سنوات من الهجرة . . . يحتشد المسلمون ، ويتداعى الرجال من كل حدب وصوب . تحركهم مشاعرهم والأمنيات ، جيش من عشرة آلاف مقاتل ، جيش حاضر لكل شيء ، وبإشارة من بنان نبيه ، جمعته الرسالة بما فيها من معاناة وآلام وطاعة وواجب .
وأعلن الرسول " صلى الله عليه وآله " المسير تجاه مكة ، ففغرت الأفواه ، وأبرقت العيون ، واتقد الحنين .
على تخومها اتخذ المقاتلون مواقعهم ، وبلال إلى جانب رسول الله " صلى الله عليه وآله " ، يحدق مليا هل تصدق عيناه ما تريان ؟ ! .
تلك هي مكة ، بيتها وبيوتها ، والذكريات تتراءى أمام عينيه ، فتسكنه الرهبة والأمل ، ويجول الأمس كله في خاطره ، ويمر سريعا هنيهات في الذاكرة .
ولماذا لا يصدق بلال والله تعالى تعهد أن ينصر ناصره ؟ !
إنه على مشارف مكة ، وهو عائد إليها ، مدججا بالسلاح جم العنفوان وقد خرج منها خائفا مضطهدا ، ومع من ؟ !
مع محمد " صلى الله عليه وآله " أعظم أهل الأرض ، وهو إلى جانبه ، وبين يديه ، ليس في أقصى الصفوف ، ولا في المواقع الخليفة ، حيث يبذل قصارى جهده لتقع عيناه على القائد ، وإنما هو عنده ، ومعه ، وعيونهما معا على مكة .
ما أبعد اليوم عن الأمس !

90